آكد من جلب المصالح، وفي الآية عطف العام على الخاص، والخاص على العام، قال أبو حيان: في قوله: (بَينَ النَّاسِ) يصح أن يكون معمولا لإصلاح فيكون متعلقا به، أو يكون صفة لإصلاح فيتعلق بمحذوف.
قيل لابن عرفة: إنما يصح هذا لو كان المعنيان مختلفين، وأما مع اتفاق المعنى فالتعليق بالظاهر أولى، فلا يكون له موضع من الإعراب، فقال: بل معنى مختلف؛ لأنه إن كان معمولا يكون الإصلاح جزئيا، وإن كان صفة يكون الإصلاح كليا، ثم وصف جزئي، والكل سواء.
قوله تعالى: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ).
أورد الزمخشري سؤالا قال: الأمر بالإصلاح قولي فكيف قال: ومن يعني ذلك والقول غير الفعل، ثم أجاب بأمرين: إما أن الدال على الخير كفاعله، وإما أن فعل ذلك يشق على النفوس من الأمر به فلذلك رتب عليه الأجر العظيم، قال بعضهم: الإصلاح بين النَّاس حسن عملا هذه الآية، وبقوله تعالى: (وَالصلْحُ خَيرٌ) وكل خير مأمور له لقوله تعالى: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وخير عام ضرورة أنه اسم جنس مقرون بالألف واللام ينتج أن الإصلاح بين النَّاس مأمور به فهذا من تركيب المخصوص، ورد بمنع الصغرى وهي قوله: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) لأنها بمعنى أخير فلا يتحد الأوسط؛ لأن الأخير غير الخير، وأجيب بأن المغايرة بينهما لا تمنع صادقية الخير على الأخير فقد اندرج تحته كصادقية الأحسن على الحسن، فينتج أن الحسن مندوب إليه، وقال بعضهم: ضم قوله: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ) في قوله تعالى: (وَافْعَلُوا الْخَيرَ) مندوب لكون الصلح مندوب فضلا عن كونه جائزا، وقرره بأن قال: لو كان الصلح من لوازم الخير لكان مأموراً به والمقدم حق، فالتالي حق لبيان حقيقة المقدم.
قوله تعالى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ).
فأوقف الخير على أحدهما، والصلح أحدهما فالخير موقوف عليه، ولا معنى لكونه؛ لأن ما له إلا هذا، والملازمة ظاهرة؛ لأن الخير مأمور به لقوله تعالى: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) فهو عام والأمر بالشيء أمر بما يتوقف عليه ذلك الشيء، وأجيب بمنع ملازمة الصلح للخير قوله تعالى: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) أحدهما قلت: لَا يلزم من كون أحدهما أن يكون لازما للخير جواز تحقيق الخير بدونه موقوفا على أحدهما وهو المعروف وصدقه.


الصفحة التالية
Icon