يذنب قط إلى أن مات يخلد في الجنة بإجماع، ومذنب مات تائب فأهل السنة وجمهور الفقهاء ألحقوه بالمؤمن، ومذنب مات قبل توبته، فقال أهل السنة: إنه في المشيئة، وقالت المرجئة: إنه في الجنة، وقالت المعتزلة: إن كان صاحب كبيرة أو صغيرة فهو مخلد في النار، قال أبو جعفر بن الزبير: قصد الأول بقوله تعالى: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (١١٦).. لأن حملها بين (الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) وهو كذب وافتراء، فقال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ) والافتراء من أخص صفاتهم مع الشرك، وعقب الثانية بقوله تعالى: (فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) لأن قبلها (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ) وقبلها: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ)، ثم قال: (وَلَا تُجَادِل عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ) فتضمنت ذكر منافقي زمنه وما صدر عنهم من غير الكذب والافتراء فناسب تعقبها بالضلال البعيد.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا... (١١٧)﴾
لما تقدمها (وَمَنْ يُشرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ) توهم أن له في ذلك الضلال شبهة، فأفادت هذه الآية أنه لَا شبهة له يستند إليها نفي لدعواهم إناثا، ابن عرفة: وفي الآية سؤال وهو إن المحصور فيه ثانيا إن كان المحصور أولا ألزم التكرار عن قرب وإن كان غيره لزم، إما إبطال الحصر من أول إبطال أحدهما، وإلا باطل، وأجيب بوجوه:
الأول: أنا نختار أنه غيره، لكن الدعاء ثانية شفقة، والأول: راجح المسبب على الدعاء.
الثاني: أن الضمير في يدعون الأشخاص أمر غير الأولين.
الثالث: أن الأول باعتبار ظاهر حاله ومادتي أمرهم.
والرابع: باعتبار ظنه وما به وعاقبته.
قال ابن عرفة: هذا كله مجاز، وإنما عادتهم أن المحمول يمكن تعدده وانفراد الموضوع بقول: ما رأيت إلا عالما، وما رأيت إلا قريبا فيصح تعدده كقولك: زيد قرشي عالمي وكذلك هكذا يقول: يدعوهم إناث وشيطان ومريد، فالموضوع بمفرد والمحمول متعدد والمحصول فيه محمول لَا موضوع.
قوله تعالى: (شَيْطَانًا مَرِيدًا).
ابن عطية: قال الجمهور: هو إبليس عليه اللعنة، وهو الصواب وقالت فرقة: هو الشيطان بكل صنف.


الصفحة التالية
Icon