وقال ابن عرفة: الإيضاح إلى هذا، وإنما الجواب أنه لَا يلزم من التعاون على البر والتقوى بترك التعاون على الإثم والعدوان، لأنا نجد بعض المرابطين يطيع في شيء ويعصي في شيء، فقد [يتعاونون*] على البر والتقوى، وعلى الإثم والعدوان.
قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ... (٣)﴾
قال ابن عرفة: هذا إما خبر، أو إنشاء، فإن أريد الحكم بثبوت ذلك في الأزلي فهو خبر، وإن أريد التكليف بتحريم ذلك فهو إنشاء، وقدمت (الْمَيْتَةُ) إما لكونها كانت محرمة عندهم وكانوا يجتنبونها.
قوله تعالى: (وَالدَّمُ).
يتناول المسفوح وغيره، فيتعارض المفهوم والعموم، وجعله ابن عرفة من تعارض المطلق والمقيد لكن الصحيح الأول؛ لأنه لو كان كذلك لاتفق على جواز الدم غير المسفوح، إذ لَا خلاف في رد المطلق إلى المقيد وهو هنا مختلف فيه فيرجع إلى المسألة المختلف فيها وهي تعارض المفهوم، فقلت: وقال ابن عرفة مرة أخرى: إن القاضي ابن [... ] جعله من تعارض الخاص والعام؛ لأن الدم هنا عام وفى العام خاص، ورده ابن عرفة، لأنه من تعارض العموم والمفهوم؛ لأن قوله (أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا) يدل بمفهوم الصفة على تحليل الدم غير المسفوح، قلت: وأجاب شيخنا أبو العباس أحمد بن إدريس بأن (مُحَرَّمًا)، من قوله تعالى: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ) نكرة في سياق النفي فهو عام، فيدل على أن جميع الأشياء حلال أخرج منها الدم المسفوح وبقي غير المسفوح حلالا بالنص لَا بالمفهوم لتعارض الخاص والعام، وردَّ ابن عرفة بأن هذا أيضا من باب دلالة المفهوم، وقد ذكر الأصوليون مفهوم الحصر، وهو عندهم أقوى من مفهوم الصفة، قال: وأيضا فينعكس الأمر في هذا؛ لأن دعواكم لَا أجد مقتضى تحليل كل فيبقى إلا ما استثني منه، وقوله ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) يقتضي تحريم مفهوم الدم فتكون هذه الآية أخص من آية الأنعام فيلزم تحريم الدم كله، وهو خلاف مطلوبنا ومطلوبكم.