قوله تعالى: (وَبَعَثْنَا).
التفات وانتقال من الغيبة إلى المتكلم، وقوله تعالى: (وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا) قال ابن عطية: النقيب هو كبير القوم القائم بأمورهم، وقيل: هو الموالي عليهم، وقيل: هو الوالي عليهم من تحت السلطان الأعظم.
ابن عرفة: وحكى لنا القاضي ابن عبد السلام أن الفقيه أبا القاسم ابن السيرافي لما ولي القضاء والتدريس على مدرسة الشماعين ودخلها جعل يسأل عن مجليها وألقابها، فقيل له: فيها الإمام، فقال الطلبة كلهم عدول من حضر منهم يوم قيل له وفيها الوفاد، قال: لَا حاجة إليه من أتى يشعل الفتيلة يشعل القنديل، قيل له: وفيها النقيب، فقال: إنما كانت النقباء في بني إسرائيل فهذا إسراف في الحبس، فأنكر ذلك عليه الطلبة وردوه بكلام ابن عطية هنا.
قوله تعالى: (وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ).
أي بعلمه وإحاطته وقدرته، وهذا وقع في القرآن في ثلاث آيات: إحداها هذه، والثانية: قوله تعالى في (طه) لموسى وهارون (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)، والثالثة: في المجادلة (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ) إلى قوله تعالى: (هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) هي في الآيتين الأولتين معية حفظ ونصر، وفي المجادلة معية إحاطة واطلاع على أعمالهم ليجازيهم عليها.
ابن عرفة: واعتمد بعض النَّاس [ممن*] عليه حلية الفقراء، أن المعية بعلمه وذاته المنزهة عن [... ]، فأنكرت عليه التصريح بذلك للعوام، وإن كان صحيحا في نفسه، ومثلت له ذلك برجلين أعجميين أبكمين عاقلين يجتمعان في مجلس وهما في الحقيقة مفترقان، بخلاف رجلين صحيحين، فكل واحد منهما صحب الآخر بفهمه وعلمه، وإن كان بعيدا عنه، وقد تأول المقترح.
قوله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ).


الصفحة التالية
Icon