نسب الجعل إليه اعتناء به وإلا فليس في قدرته جعله نارا وإنما ذلك بفعل الله تعالى وهو مجاز؛ أي جعله ذا نار إلا أنه هو نفس النار، والنار لَا توجد إلا في شيء، قال تعالى (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا) ولم يقل: أنشأتموها.
قيل لابن عرفة: فالنار جسم أو عرض؟ فقال: جسم مجاور ما حل فيه إلا يمازجه.
قوله تعالى: ﴿فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (٩٧)﴾
عبر في الأول بالفعل وفي الثاني بالاسم، فهلا قيل: وما استطاعوا أن ينقبوه، أو يقال: فما استطاعوا له ظهورا؟ قال: فعادتهم يجيبون بأن الفعل عندنا مشتق من المصدر فدلالته على المعنى أظهر من دلالة المصدر؛ لأن المشتقات تدل منها على ما اشتقت منه وزيادة، فلما كانت دلالة الفعل على المعنى أظهر من دلالة المصدر عليه عبر به عن الظهور لتكون دلالته مناسبة للفظه، كما قيل: [صرصر البازي وصرصر العصفور*]، وعبر عن النقب بالاسم على الأصل؛ لأنه مفعول والأصل أن يكون مفردا، أو يحتمل أن يجاب بمراعاة رءوس الآي.
قيل لابن عرفة: أو يقال: إن الصعود عليه أصعب من نقبه فنفى بلفظ الفعل المقتضي لعموم عجزهم عن قليله فأحرى كثيره؛ فالنقب أخف، فنفى أشده لأنهم ذكروا أنهم ينقبون كل وقت ولا يتم لهم ذلك، ولما في حديث البخاري: " [فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ» وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا*] "، وهي علامة على قرب الساعة، فإن قلت: لم حذفت التاء من اسطاعوا الأول، وثبتت في الثاني؟ فأجاب أبو جعفر الزبير بوجهين:
أحدهما: أن معمول الأول جملة، ومعمول الثاني مفرد والجملة أكثر حروفا من المفرد؛ فناسب حذف التاء من الأول دون الثاني (١).
الوجه الثاني: أن الظهور على السد أسهل من نقبه وأخف فناسب التخفيف بحذف التاء من عامله وهو اسطاعوا، كما قالوا في صرصر البازي؛ أي اللفظ فيه مناسب لمعناه.
قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩٨)﴾
قال ابن عرفة: هذا يدل على أنه كان عنده علم يتم بناء ويبقى صحيحا إلى أمد معلوم، وكان يجوز أن يكون ذلك على يديه.

(١) في المطبوع هكذا [لتعاد] وهي كلمة لا معنى لها، وكذلك فهي غير موجودة في ملاك التأويل لابن الزبير.


الصفحة التالية
Icon