قيل لابن عرفة: اقتضت الآية أن أعمالهم حبطت مجموع الأمرين، ودليل الدليل من خارج على أن مجرد الكفر محبط للعمل وليس من الآية، فقال: بل من الآية؛ لأن تعليق الحكم على الوصف المناسب يشعر بعلة ذلك الحكم للوصف.
قال الفخر: لَا يقال: من زنا وأكل الحلوى فاجلدوه؛ فدل على أن كل واحد من الوصفين على انفراده كافٍ في إحباط العمل.
قوله تعالى: (فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا).
ظاهره أنه لَا يوزن أعمالهم السيئة إذ لها أثر مع الكفر، وظاهر قوله تعالى: (وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) أنها توزن.
فقال ابن عرفة: لعل تلك في العصاة وخلودهم غير مؤبد، قيل له: بل ظاهرها التأبيد، فقال: أو تكون خفة الموازين مجازا عبارة عن عدم ما يجعل فيها فلذلك تخف.
قال ابن عطية، والزمخشري: أن ابن الكواء قال علي بن أبي طالب: من هم؟ فقال هم أهل حروراء وإننا منهم.
قال ابن عرفة: هذا إما تشديد عليه، وإما بناء بأن المعاصي محبطة للعمل، وكان ابن الكواء من المعتزلة.
قوله تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي... (١٠٩)﴾
اختلف الزمخشري، وابن عطية في سبب نزولها.
فقال ابن عطية: [سبب نزولها أن اليهود قالت للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: كيف تزعم أنك نبي الأمم كلها، [ومبعوث إليها*]، وأنك أعطيت [ما يحتاجه*] النَّاس من العلم، [وأنت مقصر*] قد سئلت عن الروح ولم تجب فيه؛ فنزلت الآية معلمة [باتساع معلومات*] الله تعالى، وأنها [غير*] متناهية وعلم الله غير متناه، فلا يستغرب من النبي أن يقول: لَا علم لي بهذه المسألة، قال: وهذا مخالف لما قال اليهود في سؤالهم له عن الروح حيث سألوه عنه، فقالوا: إن أجابكم عنه فليس بنبي، وإن لم يجبكم عنه فهو نبي؛ المراد بالكلمات: إما علم الله القديم الأزلي ومعلوم الله تعالى من حيث تعلقه، والمتعلق بذاته هو العلم لا المعلوم.
قوله تعالى: (لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي).
كان بعضهم ينتقد على أبي سعيد قوله في المدونة: ويؤمر الجنب بالوضوء قبل الغسل، فإن اغتسل بعده أجزأه، ويقول: إنه ليس في المدونة. فإِن اغتسل بعده


الصفحة التالية
Icon