قال أبو حيان: يصح أن يكون مفعولا أو بدلا من مريم، فقيل له: هما شيء واحد؛ لأن اذكر إنما يتعدى لمفعول واحد، فقال: القائل فيه فعل آخر مقدر؛ أي اذكر إذ انتبذت.
قال المختصر السفاقسي: يحتمل أن يكون على حذف مضاف؛ أي اذكر خبر مريم وما جرى لها إذ انتبذت.
قال ابن عرفة: هذا هو الصحيح، لأن الخبر متأخر عن المجرور عنه فلا يصح أن يعمل الخبر في إذ؛ لأن وقت الانتباذ ليس هو وقت الخبر؛ فلذلك قال أبو حيان: وما جرى لها إذ انتبذت.
قوله تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا... (١٧)﴾
وهو جبريل، وقال تعالى في سورة آل عمران: (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ) التبشير وقع من الملائكة وهذا الإرسال من ملكَ واحد، فإن كانت القصة واحدة فيكون ذكر هذا جبريل وحده؛ لأنه المتقدم في الملائكة وهو تبع له، وإن كانت قصتين فتكون تلك قبل هذه فبشرها أولا الملائكة ثم أتاها جبريل وحده فنفخ في فرجها.
فإن قلت: كيف يفهم [تصور*] الملك ورجوعه على صورة إنسان حسن الصورة مع أن الموجودات ثلاثة: إما متحيز، أو قائم بالتحيز، أو لَا متحيز ولا قائم؛ فمتحيز على القول بإثبات الجوهر المفارق، فكما لَا يصح صيرورة الجوهر [عرضا*] ولا العكس؛ لذلك لَا يصح الموجود الغير المتحيز متحيزا، قلت: فالصواب أن الملائكة أجسام متحيزة، فكما أن الله تعالى أقدر الجسم على القيام والقعود والحركة، كذلك أقدر بعض الأجسام على [التصور*] على صفات مختلفة.
ابن عرفة: وقد كنت رأيت السلطان إبراهيم في غاية الضعف قولا [... ].
قوله تعالى: ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي... (٢٤)﴾
وقرئ (مَنْ تَحْتَهَا)، وعلى كلا القراءتين يصح أن يكون المنادِي جبريل وعيسى عليهما السلام، ورجح بعضهم الأول بعدم الاحتياج إلى إضمار الفاعل، وأجيب بأن الفاعل هناك الجزء من الفعل فهو بمنزلة المركب.
ابن عرفة: [ومن بدع التفسير قول الزمخشري في أن جبريل عليه السلام كان يُقَبِّل الولدَ كالقابلة*].