قوله تعالى: (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ).
ولم يقل: آيات الله، أو القهار، أو العزيز، أو الجبار [تنبيها بالأدنى على الأعلى*]؛ إشارة إلى أنهم إذا سمعوا آيات الرحمن والرحمة يبكون ويسبحون؛ فأحرى إذا سمعوا آية التخويف والموعظة.
قوله تعالى: (سُجَّدًا).
قال أبو حيان: حال مقدرة؛ لأنهم حال الخرور والقعود.
قال أبو حيان: ((شَاهِدٍ وَمَشهُودٍ).
قال ابن عرفة: شهود ليس إلا جمع، وشهود وقعود يحتمل الجمع والمصدر، كما أن (بُكِيًّا) يحتمل الجمع إذا تلوها هم بأنفسهم هل يكون أحرى فيمن جاورهم أو مساويا أبدا؟ قلنا: يحتمل الأخروية والتساوي، ويحتمل أن يكون من جاورهم بسماعها من غيرهم أمرا، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وسلم: "إني أحب أن أسمعه من غيري".
قوله تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ... (٥٩)﴾
العطف بالفاء يقتضي كمال القرب بين زمنهم وزمن هؤلاء المخالفين لهم؛ ولذلك قال ابن عطية: بينهم ستون سنة، وأنه أقل ما تبدل فيه الأحوال، وكذلك قال النبي صلى الله وعلى آله الطيبين وسلم: ": خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، والمراد القرب بينهم وبين آخرهم وهو عيسى عليه السلام، وحينئذ يحصل كمال البعد بينهم بمجموعهم وبين المخالفين لهم، هذا إن قلنا: إن الخلف في النصارى، وإن قلنا: إن اليهود فيهم فيكون المراد من بعدهم، والخلَف بالفتح في الخير وبالسكون في الشر، ومنه حديث خرجه مسلم في كتاب الزكاة: " [مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا*] ".
قال ابن عرفة: والمراد بالأول الإنفاق في الواجب والمندوب والإمساك عن النفقة الواجبة؛ لأنه إخبار من المشرع بالدعاء له وعليه ففيه ذم فاعله؛ فدل على أنه واجب.
قوله تعالى: (أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ).
قال ابن عرفة: قالوا: اتباع الشهوات سبب لإضاعة الصلاة؛ لأن من اتبع شهوة النفس مكنها من غرضها في الراحة والتكاسل عن الطاعة.