ابن عرفة: القول ماض؛ لقوله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا) فلم يعبر هاهنا وفي (سنكتب ما يقول)، فالجواب: جاء بوضع المستقبل موضع الماضي إشارة إلى دوام ذلك وبقائه، وإما باعتبار أنه قال ذلك في الماضي، ولم يزل [مستديما*] عليه يعتقده ويكرره، وإما للمشاكلة باعتبار ما قبله وما بعده؛ لأن قبل الأول: (سَنَكتُبُ)، وبعده (وَنَمُدُّ)، وقبل الثاني: (وَنَرِثُه) وبعده وَيَأْتِينَا).
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ... (٨٣)﴾
ابن عرفة: وجه مناسبتها لما قبلها أنه لما تقدم الكلام على كفر الكافرين وعبادة الآلهة من دون الله تعالى: مع قوله تعالى: (سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا) أوحى إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لئلا يقع في نفسه منه حزن عليهم وتأسف [وغم لك*]؛ لأن المصنوع صنعة فاسدة إذا رأى الجاهل بها [لَا يتأثر*] لفساده، وإذا رآه العالم بالصنعة يتأثر لفساده؛ فكذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تأثره بكفر هؤلاء ليس كتأثر غيره؛ لعلمه بحقائق الأمور وعواقبها، فجاءت هذه الآية على سبيل التسلية له من الحزن الواقع بنفسه، والرؤية [علمية*]، لَا مما [يرى*]؛ أي ألم تعلم أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين [بالضلالة والهداية*]؛ أي بفعلنا وقدرتنا، فالله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، ففوض أمر هذا إلى الله، ولا تحزن عليهم بوجه فقد وفيت [بما بلغت به*] إذ لو شئت لمنعناهم قهرا.
وقال ابن عطية: [أَرْسَلْنَا معناه سلطنا أو لم نحل بينهم وبينهم*] اعتزال في قوله: [نحل بينهم وبينهم*]؛ لأنه يتبع الريب أي وهو معتزلي فيقول أحيانا وينقل كلامه بعينه، فيعتزل من حيث لا يشعر.
فإن قلت: كيف يفهم هذا؛ لأن ظاهر الآية تقدم كفرهم على إرسال الشياطين عليهم؟ مع أن إرسال الشياطين في كفرهم، قلت: الجواب: فإن المراد بالكافرين الصابرين من الكفر.
كما قال الزمخشري في قوله تعالى: (لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتقِينَ)؛ أي الصابرين للتقوى، وأما بأن المراد شدة الإزعاج والتهيج بقوة، ويكون المتقدم عليهم الإرسال بوسوسة حقيقة ليس فيه إزعاج بقوة، والدليل عليه تأكيد إن بالمصدر مع أن مادته تقتضي الشدة.
قوله تعالى: ﴿فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (٨٤)﴾