مع أنك إذا قلت: فلان يحمل الصخرة ويحمل الرطل لم يكن له فائدة، ؛ لأنه إذا حمل الثقيل فأحرى أن يحمل ما دونه، وأجيب بأن المراد ويعملون عملا [غيره*] (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ)، ويكون المراد أنهم نوعان: نوع يغوص، ونوع يعمل عملا آخر.
فرده ابن عرفة: بأن ذلك بعيد من لفظ دون، قال: والجواب الآخر يحتاج إلى إضمار.
قال: وإنما عادتهم يجيبون بأنه إن جعلنا اللفظ باعتبار القوة والقدرة فهو تكرار كما قلتم، وإن جعلناه باعتبار الامتثال والطاعة فهو تأسيس، لأن من يطيعك في حمل الثقيل قد تأنف نفسه عن طاعتك في حمل الخفيف لكونه يستحقره؛ كقولك: يتآزر الجيش العظيم [ويجعل*] للسلطان فعله إذا جلس، فهذا ليس بتأكيد، وإنما هو تأسيس لهذا الاعتبار.
قوله تعالى: (لَهُمْ حَافِظِينَ).
هذا احتراس، أي حالهم مستعدين في أمورهم لئلا يأتون على غير الوجه المراد منها، فهو إشارة إلى أن جميع الأشياء بخلق الله وقدرته.
قوله تعالى: ﴿مَسَّنِيَ الضُّرُّ... (٨٣)﴾
ولم يقل: لحقني أو أصابني مع أن المس أخف، وقد طال زمن، فمر هذا إشارة إلى أن هذا بالنسبة إلى غيره كالمبدأ، وهذا على جهة التلطف منه في الدعاء، ولذلك لم يقل فارحمني.
قوله تعالى: ﴿فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ... (٨٤)﴾
هذا العطف على جهة الترقي؛ لأن كشف الضر أمر حاجي ضروري، إذ هو من دفع المؤلم، فآتيناه الأهل والمال أمر تكميلي، ؛ لأن من جلب الملائم فأعطاه الأمر التكميلي بعد الأمر الحاجي أقوى وأبلغ، قال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير في سورة ص (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) فذكر السبب في كشف الضر هنا، لم يذكر له سببا، وقال تعالى هناك [(رَحْمَةً مِنَّا) *]، وقال هنا (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا)، وقال هناك (وَذِكرَى لأُولِي


الصفحة التالية
Icon