جمع الفاعل هنا ثم قال: (وَتَرَى النَّاسَ) فأفرده.
فأجاب الزمخشري: أن المرأي هناك الزلزلة وكل أحد يراها، والمرئي وكل أحد يرى غيره ولا يرى نفسه.
قال ابن عرفة: وأجاب بعضهم: بأن الأولى ليس فيها ما يمنع من إسناد الفعل إلى الجميع، والثانية فيها المانع، وهو وصف السكر؛ لأن السكران لَا يرى شيئا.
قال ابن عرفة: وفي الآية [الطباق*]، وهو تارة يكون بين الشيء [وضده*] كقوله تعالى: (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا)، كقول الشاعر:

[لَا تَعْجَبي يَا سَلْمُ من رَجُلٍ ضَحِكَ المَشِيبُ برأسِهِ فَبَكىَ*]
ابن عرفة: وتارة يكون بين [النفي والإثبات*]، كقوله:
[يُقَيِّضُ لِي مِنْ حيْثُ لا أَعْلَمُ النوى ويَسرى إِليَّ الشَّوق مِنْ حيْثُ أَعْلمُ*]
أنشدهما ابن مالك في المصباح، ومنه قوله تعالى: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، ومنه هذه الآية، وذكر ابن الحاجب أن من تحقيق المجاز من جهة نفيه وهذه الآية منه؛ لأن قوله تعالى: (وَمَا هُمْ بِسُكَارَى) دليل على [سكرهم*] مجازا.
قال ابن عرفة: وفي الآية سؤال، وهو أنه قال تعالى في الأولى (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ)، وفي الثانية: (وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ) فهلا قال: يوم تذهل كل ذات رضاع، أو يقال: [وتضع*] كل حامل وكل مرضعة؟ قال: وعادتهم يجيبون بأن ذو تفيد مبادئ الشيء وأوائله، فلو قيل: أو تضع كل حامل [لتناول الحمل اللفظ المحقق*] ووضعه أسرع وأقرب من وضع العلقة والمضغة، فلما قال: (كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ) أفاد وضع العلقة أو المضغة، فهو أصعب من وضع ما فوقها، ؛ لأن الذي فوقه من باب أحرى.
قوله تعالى: (وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ).
احتراس؛ لأن الآيتين متناقضتان فأفاد أن [سكرتهم باعتبار ما نالهم من العذاب فوجوده لوجود العذاب*]، ونفيه باعتبار ذاته.


الصفحة التالية
Icon