قوله تعالى: ﴿يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ... (١٣)﴾
ذكر فيها أبو حيان وجوها منها: أن (يَدْعُو) حال، مفعوله ضمير من (يَدْعُو) تقديره، أي: مَدْعُوًّا، و (ذلك) مبتدأ، وهو فصل، وضعف بأن (يَدْعُو) لَا [يقدر مدعوا*] (١).
ابن عرفة: بل يصح كما يقول: رأيت زيدا يضربه عمرو أي مضروبا ومنها: أن يدعوا بمعنى يقول: ولمن خبره مبتدأ خبره مقدرا أي الآمر أو الناهي والجملة في موضع محلية، يدعوا وليس مستأنف لَا تدخل له في الحكاية؛ لأن الكفار لَا يقولون ذلك على أمنياتهم.
قال: ورد بالكافر لم يعتقد قط أن الأوثان ضرها أكثر من نفعها، وأجابه ابن عرفة بصحة إرادة المعنى معبرا عنه باسم غير ذلك المعنى، كقوله تعالى: (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ)، لأنهم [لم*] يقولوا هذا اللفظ، ولذلك تقدم لنا أيضا أنه لَا يلزم من حلا غيره بصفة اتصافه هو بها، كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ)، لأنهم وصفوه بكونه منزلًا عليه الذكر، وزاد الطيبي: أنه يصح الوقف على (يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ) مبتدأ خبره (لَبِئْسَ الْمَوْلَى).
قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ... (١٥)﴾
نقل ابن عرفة: كلام المفسرين، ثم قال: وكان بعضهم يقول الآية وإن خرجت على [سبب*]، فإنها تتناول عندي من اتصف بمثل ذلك السبب فيدخل تحتها من أصابه آفات في بدنه، أو ماله، أو عرضه لأجلها؛ أي: (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) فليتب عن ذلك، ويرضى بحاله وإلا (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَب إِلَى السَّمَاءِ)، وكان يسمى هذا عطف المقهور بموقف على أمر فيه هلاكه، وهذا موجود عند سائر النَّاس، يقول بعضهم لبعض: إن لم ترض بهذا فاضرب بدماغك الحائط.
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ... (١٨)﴾
قال ابن عرفة: الصواب عندي أن يكون وكثير من النَّاس مبتدأ، ويكون في الآية حذف من الأول ما دل عليه الثاني، ومن الثاني ما دل عليه الأول، أي (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) مثاب، (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ) وعلى هذا يضمحل كلام الزمخشري.
قوله تعالى: ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ... (١٩)﴾
وقال ابن عرفة: العناصر الأربعة عندنا التراب، والماء، والهواء، والنار، والثالث والأول لَا خلاف فيهما ولا إشكال أنها جواهر ويقع النظر في النار، هل هي جواهر أو
"أن يكون يَدْعُوا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وذلِكَ مُبْتَدَأٌ وَهُوَ فَصْلٌ أَوْ مُبْتَدَأٌ وَحَذَفَ الضَّمِيرَ مِنْ يَدْعُوا أَيْ يَدْعُوهُ وَقَدَّرَهُ مَدْعُوًّا وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّ يَدْعُوهُ لَا يُقَدَّرُ مَدْعُوًّا إِنَّمَا يُقَدَّرُ دَاعِيًا، فَلَوْ كَانَ يُدْعَى مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ لَكَانَ تَقْدِيرُهُ مَدْعُوًّا جَارِيًا عَلَى الْقِيَاسِ". اهـ (البحر المحيط. ٧/ ٤٩١).