النفوس من كراهة ما يؤلمها، وأكد وعدها بالثواب لحمل مشاق الفساد في الدنيا، قلت: إنما الجواب عندي بوجهين:
الأول: إن جزاء الكافرين العذاب عدل من الله تعالى، وجزاء المتقين بالجنة، فضل من الله تعالى إن شاء فعله، وإن شاء لم يفعله، فأكده ليصير واجبا ما جاء به له عن نفسه فقوي رجاء المؤمنين وطمعهم فيه.
الثاني: أتى بعده (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) فجزاؤهم مكرر مؤكد في هذه الآية فاستغنى به عن تأكيده أولا.
قوله تعالى: ﴿وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ... (٢٥)﴾
من عطف الخاص على العام؛ لأنه من سبيل الله.
قوله تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ).
ابن عرفة: هذا من المشاكلة؛ لأنه قابل إرادة [الإلحاد*] بذوق بعض العذاب، والإرادة العزم على الشيء من غير فعله، والذوق إدراك أوائل الشيء ومبادئه فقط، فيجوز عن مبادئ السيئات، وهو العزم عليها بمبادئ العذاب الأليم.
قيل لابن عرفة: هذا مخالف لحديث " [مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا، لَمْ تُكْتَبْ*]، أو كتبت له حسنة"، فقال: نعم هذا خاص، والحديث عام، وهذا متواتر والحديث [أخبار*] آحاد وفعله معناه إرادة ذلك مع العزم والتصميم عليه حتى كأنه فعله وأما نفس الألم لا مع العزم والتصميم، فلا شيء فيه، فعلى هذا معنى هذه الآية.
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا... (٢٦)﴾
قال ابن عرفة: المكان هو المحل المحوط بأمرنا، ومنهم من يزيد فيه بحيث يشار إليه أنه هناك أو هنا، فهو على هذا مخالف للخبر، فالطائر إذا نزل في الأرض هو في مكان، فإذا كان في الهواء فهو في جنب، ولم يكن في مكان، [**ويبنى أيضا على القول بالجلاء، والملأ فعلى القول بالملأ، يكون الطائر في مكان].
قال ابن عطية: والمفعول الأول هو إما محذوف تقديره [النَّاس*] أو العالمين.
ابن عرفة: أما النَّاس فنعم وأما العالمين فبعيد؛ لأن الحيوانات غير الإنسان لا ترجع إلى البيت، وليست مكلفة بالعبادة.
قوله تعالى: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).


الصفحة التالية
Icon