أن يفتنوهم على دينهم، فقولك: لم يكن ثم حق فوجب الإخراج إلا هذا باطل، قلت له لم يكن ثم حق يوجب الإخراج إلا هذا؛ لأنه الأصل الذي أثبتنا عليه ما عداه، فقولهم (رَبُّنَا اللَّهُ)، مرادف لقوله: لم يخرجوا بحق إلا بالإيمان، وقيل: إن هذا حق يبطل من وجه آخر وهو أن المعنى عنده اخرجوا، [ولا معنى للإخراج عندهم إلا هذا*] ومن أين يفهم عندهم، قلت: المعنى يفهمه.
قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا... (٤٦)﴾
قال ابن عرفة: لما تضمن الأمر السابق إهلاك الأمم السالفة في قوله تعالى: (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ)، وبقي أثرهم ضاربا عقبه بذم هؤلاء في عدم اتعاظهم بهم، ونظرهم النظر الهادي إلى الصواب، وكان بعضهم يقول: السير في الأرض إما حسي باعتبار سماع أخبارهم فمن أدركهم قطع مغادرها للتفكير والنظر في آثار الكفار المهلكين بسبب تكذيبهم، أو معنوي باعتبار سماع أخبار أحبارهم ممن أدركهم أو قرأ لهم في الكتب.
قوله تعالى: (فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا).
[راجع*] للسير الحسي (أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا)، [راجع*] للسير المعنوي، وهو سماع ذلك ممن أدركهم، هذا إن ثبتنا على تفسير السير بالحسي والمعنوي، وإن لم [نبني*] على هذا فنقول: إنما عطفت هذه بـ لو دون الواو؛ لأن الواو تقتضي الجمع فيكونوا ذموا على ذم المجموع، والذم على عدم الاتصاف بكل واحد من ذلك يستلزم الذم على عدم الاتصاف بالمجموع من باب أحرى، فإذا ذموا على عدم العقل بانفراده، وعلى عدم الجمع بانفراده فأحرى أن يذموا على [عدمهما*] معا، قال ابن عطية: وفيه دليل على أن العقل في القلب.
فرده بعض الطلبة: بأن النظر مشروط بوجود العقل، فما يوجب عليه النظر حتى يكون عاقلا، فكيف نظره شرطا في عقله، فقال ابن عرفة: العقل التكليفي، هو الذي يتوقف على وجوده وجوب النظر، والعقل النافع، هو الذي يتوقف وجوده على تقدم النظر عليه، قيل لابن عرفة: ما اختلف الأطباء والفقهاء، إلا في محل العقل التكليفي، فقول ابن عطية: إنه في القلب لم يرويه إلا العقل التكليفي، قال محلها واحد.
قوله تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ).