الرسول مع أنه لَا يستلزم من استلزم الأخص أمر باستلزام الأعم له، والرسول أخص من النبي فالعطف تأسيس.
قوله تعالى: (فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ).
النسخ رفع ما قد ثبت، وهذا لم يثبته قرآن بوجه، وهذا الذي تكلم به الشيطان وأوهم الكافرين أنه على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، فالمراد ننسخ سببه، وما نشاء منه، وما حصل في اعتقاد [من بعض المؤمنين*]، ومن كانت في نفسه ريبة وشك، فيزيل ذلك بنزول الآيات البينات الدالات على بطلانه، وأورد الفخر: أنه إذا ثبت أن الله تعالى قدر الشيطان على فعل مثل هذا، فيلزم الارتياب في جميع آيات القرآن، وعدم الوثوق بها، إذ لعل بعضها من قول الشيطان، وأجاب: بأنه إذا قدره على ذلك يلهم الرسول إلى استدراك الأمر، وإبطال ما هو من كلام الشيطان، كما ألهمه لها.
قال ابن عرفة: هذا فتح باب سوء، وإنما الجواب: أن القرآن مقطوع بصحته
ووروده من عند الله عز وجل، إما لأنه معجز ودليل الإعجاز يقطع هذا كله، وإما
التواتر والإجماع على أن هذا الذي نحن نقرأوه هو قرآن صحيح، وارد من عند الله عز
وجل، لقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)،
قال الفخر: وآية القرآن على ثلاثة أقسام، فقوله تعالى: (اللَّهُ نَزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ
كِتَابًا مُتَشَابها)، وقوله تعالى: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ)، تقتضي أنه كله محكم، وقوله تعالى: (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ
وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)، يقتضي أن بعضه محكم وبعضه متشابه،
فأجاب ابن عرفة: بأن المتشابه في قوله تعالى: (كِتَابًا مُتَشَابِهًا)،
بمعنى التماثل، لَا بمعنى الاختلاف، والإحكام في قوله تعالى: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ
آيَاتُهُ)، يقتضي الإتقان.
قوله تعالى: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ... (٥٤)﴾
مع أن العلم بوحدانية الله تعالى مرادف للإيمان، فالجواب: إما أن يراد بالعلم العلم التصويري، وبالثاني الذي هو الإيمان العلم التصديقي، وإمَّا بأن يجعل الضمير المحذوف في قوله تعالى: (فَيُؤْمِنُوا بِهِ)، عائد على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإما على قول ما قال الزمخشري: من أن المراد يعلموا أن تمكين الشيطان من الإلقاء هو الحق من ربك والحكمة، أن المراد قوله تعالى: (وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)


الصفحة التالية
Icon