أي (لعليم) بمن جاهد وهاجر، (حليم) [يستر*] سيئاته فيعفوا عنها، ولا يعاقبه بها.
قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ... (٦٠)﴾
قال ابن عرفة: اللفظ أن ذلك فعل مثل أما بعد ونحوها لمباينة هذه الجملة لما قبلها، وجعلها الفخر متصلة وقرر وجها لمناسبة بينهما، وقال ابن عطية: سبب نزولها أن بعض المسلمين أمن بعض المشركين في شهر محرم، وفيه القتال وأرادوا قتالهم فناشدوهم أن لَا يقاتلوهم، ولم يفعلوا فقاتلوهم فنصرهم الله عليهم.
قال ابن عرفة: لفظ الآية مخالف للسبب؛ لأن ظاهرها أن المسلمين هم البادون بالقتال، إلا أن يريد بذلك بدايتهم من المنازلة والمعاقدة فيكون مجازا فسمي المنازلة عقوبة ثم يعبر عليه بالقتال بالفعل.
قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ).
قال الزمخشري: أي عفو عن الجاني على طريق التستر به، إشارة إلى أن عقوبة المؤمن للكافر على ما جنى عليه جائزة، لكن العفو راجح، لقوله تعالى: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)، وقوله تعالى: (وَأنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)، فقال ابن عرفة: إنما هو بعد القدرة عليه، وأما قبل القدرة عليه فلا يجوز له العفو عنه بوجه، فقصر الآية على عفو المسلم على الكافر، وكان بعضهم يجعلها عامة، وتقدير وجه المناسبة بأن الإنسان لَا يعاقب بالمثل، إلا إذا تحقق وجه مماثلة العقوبة [للجناية*]، أما إذا شك في المماثلة، فإنه ينبغي له أن يعفو ويترك حقه إذ لعله يعاقب أكثر من الخيانة، وقرر الطيبي: وجه المناسبة كان ذلك في شهر حرام، فكان الأولى عدم وقوف المسلمين لهم في القتال، وأن يصفحوا عنهم ويتفرقوا.
قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ... (٦٢)﴾
قال ابن عرفة: هذه لذلك سبب فصل بل يعتقدوا بأن نصرة الله لكم لاتصافه بالوحدانية والقدرة والإرادة، بدليل إيلاجه الليل في النهار والنهار في الليل.
قوله تعالى: (وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ).
ابن عرفة: تكلم الزمخشري هنا كلاما موافقا لمذهب أهل السنة، فقال: سميع بما يقولون بصير بما يفعلون، مع أن المعتزلة يردون ذلك كله إلى صفة العلم، وكان