فهو ثان عنه الصلاة واللغو عامان بجميع النَّاس، والزكاة خاصة، فكانت ثالثة عنهما، ولما كانت هذه الثلاثة أمور خاصة، والنكاح أمر تكميلي ليس بحاجي لاسيما إذا قلنا: إنه من باب الفكاهات لَا من باب الأقوات، فكان حفظ الفروج أمر خارجا عنهما والأمانة خاصة بمن يصلح بها لَا بكل النَّاس، والمحافظة هو الإيمان بها في أوقاتها ولما كان وجوبها متقدما على تعيين أوقاتها، ذكرت أولا ثم ذكرت المحافظة عليها في أوقاتها بعد ذلك، ولما كانت أوقاتها محددة شيئا بعد شيء أتى بالمحافظة عليها بالفعل، بخلاف الإعراض عن اللغو وفعل الزكاة وحفظ الفروج ورعي العهود والأمانة، فإن المراد منهم الثبوت على ذلك، والميراث إما أخذ الشيء بموجب، وهو الميراث الشرعي، وبغير موجب، وهو إرث الفردوس؛ لأنه ليس في مقابلة العمل بل [محض فضلٍ*] من الله عز وجل، هل يرجع هذا إلى الحصر أو مبني على تقيد إذا تعقب عملا؟ هل يعم الجميع أو يرجع إلى الآخر؟ فهل مجموعهم يرثون الفردوس، أو كل واحد منهم؟
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً... (١٤)﴾
عطف الأول بـ ثم، والثاني بالفاء قيل لبعد ما بين النطفة والعلقة، وقرب ما بين النطفة والمضغة، ورد بأن الشارع ساوى بينهما في قوله، ثم تكون نطفة أربعين ثم علقة أربعين، وأجيب: بمكان إفساد النطفة بخلاف العلقة.
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥)﴾
عبر عن الأول مؤكدا بأن واللام، وأما في الثاني بأن فقط والمتبادر للذهن العكس، بأن الموت لم ينكره أحد، والبعث ينكره الكفار، والحكماء والفلاسفة، وأجيب: أنه من باب حمل اللفظ على غير ظاهره مثل: جَاء شَقيقٌ [عَارضاً*] رُمْحَهُ... إِنَّ [بَنِي عَمكَ فِيهمْ رِماحْ*] فهم بعصيانهم ومخالفتهم لم يعملوا على الموت، فحالهم كحال [... ]، وما كانت دليل البعث ظاهره صادقا للثابت.
قال ابن عرفة: [هذا*] لَا يتم إلا على مذهب المعتزلة في قاعدة التحسين والتقبيح [ووجوب*] الإعادة، قلت: إما أن يجيب [بأن أدلة البعث*] العقلية ظاهره، ونحن نقول [أدلة*] البعث السمعية [عندنا*] ظاهره، فإن قلت: لم عبر عن الموت بالاسم، وعن البعث بالفعل؟ قلنا: لما تقدم من الجواب في التأكيد.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ... (١٧)﴾