قوله تعالى: ﴿وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٢٧)﴾
إن قلت: قد خاطبه بقوله: (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي)، قلنا: سأله عن سبب نزوله، ولم يطلب منه رفع العذاب، وإنما سأله ليعرف موجب قدرته؛ لأنه كان وعده تنجية أهله وهو يعتقد أنه منهم وعطف: قال الأولى بالفاء، لأنها في قضية نوح عليه السلام، وهو أول من بعث فناسب مبادرة قومه بالتكذيب لعقب الرسالة؛ لأنه لم يتقدم له نظر في ذلك، فجاءهم بأمر غير معهود لهم، وأما الثاني فهي قضية هود وصالح، وقد تقدم قبله إرسال نوح عليه السلام بزمان متطاول وغيره، فعطفه بالواو التي تقتضي الترتيب والتعقيب ولا تنفيهما، فيحتمل أنهم قالوا ذلك عقب إرساله أو بعده بزمان طويل، إن قلت: لم قال أولا (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ)، وقال تعالى ثانيا [(وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) *]، قلنا: الجواب كالجواب المتقدم، فإن القضية الأولى من قوم لم يعهدوا الرسالة فالكفر فيهم متصل ثابت فبدأ به تنبيها على أنه حاصل لهم على هذه المقالة، وأما الثانية فابتدأ فيها بالقوم إشارة إلى أن كفرهم غير عام فيهم، وأن القائل بعض القوم لَا كلهم، ويحتمل أن يجاب بأنه قدم القول وهنا العطف على وصفهم بالكفر غيره من الصفات.
قوله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا... (٢٩)﴾
عطف على جواب الشرط فظاهره أنه يقول: تعقب الاستواء على الفلك مع أنه إنما يقول ذلك حين تركه في الفلك في الأرض، إما أن يكون اكتفى بدلالة القرائن على ذلك أو يكون أمر أن يدعوا بذلك حين الاستواء لينزل إلى الأرض مطمئنا، أو المراد أنزل على الذي أنا فيه فيكون دعاء بأن ينزل السفينة في محل يصلح لها خشية أن ينزل في محل يفسدها فيصادف حينئذ بكسرها.
قوله تعالى: (وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ).
الكلام فيه كالكلام في (تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).
قوله تعالى: (فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ).
ولم يقل فقولوا الحمد لله، وإنما أفرده بالخطاب؛ لأنه هو المقصد [من*] الأمر بالذات، و (منزل) إما اسم مصدر أو اسم مكان.
قال ابن عرفة: والصواب أنه اسم مكان؛ لأن المصدر معنى من المعاني، والمعاني تجمل ولا تثبت بخلاف المكان.
قوله تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا... (٣٢)﴾


الصفحة التالية
Icon