قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧)﴾
إن قلت: الخشية الخوف، والإشفاق الخوف، فكيف هم خائفون من الخوف؟ قلنا: الإشفاق وقوع متعلق الخوف فهم خائفون من وقوع العذاب بهم خائفون، وذكر ابن عطية: إن من [لبيان الجنس*]، والصواب أنها للسبب، ويؤخذ منه جواز أن يقال: سبحان من تواضع كل شيء لعظمته، وتقدم نحوه في سورة الأنبياء في قوله تعالى: (وَهُمْ مِن خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)، فإن التواضع للعظمة من حيث كونها صفة لله بالتواضع، إنما هو للذات فكذلك الخوف، وما وجه من منع أن يقال: سبحان من تواضع كل شيء لعظمته إلا أنه فهم اللام التعدية لَا للسبب، وإن جعلناها للسبب زال الإشكال، ويكون التواضع للذات لأجل العظمة، قال: سلك في الآية مسلك الترقي بالانتقال من حالة الوقف والتردد، وهي حالة العمل بالفروع، وبقى قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ... (٦٠).. ، فالأول هو زمن النظر لهم فهم مشفقون خائفون من عدم العثور على الوجه الذي منه يدل الدليل على وجود الصانع، وكذلك اختلف الأصوليون في أول الواجبات، فقيل: النظر، وقيل: القصد إلى النظر، وقال أبو هاشم [الشَّكُّ*].
قال ابن عرفة: وأكد الثلاثة الأول: بضمير الجمع، لأنها لبيان الأصول المستلزم للسلامة من صغير الكفر المقطوع لتعذيب صاحبها، والرابع: إيمانه بالفروع المستلزم للسلامة من صفة العصيان التي تحتاجها في المشيئة غير مقطوع بتعذيبه، فلذلك لم يقل (وَالَّذِينَ يُؤتُونَ مَا آتَوْا)، أو (وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)، احتراس لقوله تعالى: (وَهُمْ لَهَا سَابقُونَ)، خشية أن يتوهم مسابقتهم إلى فعل ما لَا يطاق، ويؤخذ منه جواز تكليف ما لَا يطاق، وعدم وقوعه، قال الفخر: والتكليف إنما يقع بدون الوسع لَا بالوسع بقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).
قال ابن عرفة: [التكليف بالمتعذر ساقط، والتكليف بالمشقة*] واقع بوقوف الواحد للعشرة، وقد ورد التكليف به، وكوقوف المائة للألف يعني للجهاد.
قوله تعالى: ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا... (٦٣)﴾


الصفحة التالية
Icon