والمراد بمجيء الحصول، وبعد حصول الموت هو الذي يطلب الرجوع؛ لأنه على مذهبنا انتقال من دار إلى دار، لَا إعدام لبقاء النفس الناطقة، والروح فيه تطلب الرجوع البدني لدار الدنيا، فلا تسعف بذلك.
قوله تعالى: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ... (١٠٠)﴾
أي من أمامهم، وعبر بلفظ الواو إشارة إلى تحقيق وقوعه، وأنه أمر واجب لَا بد منه، فهو طالب [لهم*]، كطلب من يتبع الإنسان من [خلفه*]، لأنه لَا مفر له عنه بوجه، بخلاف من هو أمامه، فإنه قد [يجيئه*] شمالا ويمينا.
قوله تعالى: ﴿فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (١٠١)﴾
أي الأنساب ثابتة أي نافعة، وإلا فالأنساب موجودة، ويحتمل أن يكون على التوزيع أو بين كل شخصين نسب، ويحتمل الجميع، لأنه قد يكون بين كل شخصين أنساب، فيكونان ابني عم وزوجان، أو أخوين، وإلا [فاللفظ*] عام للجميع، وقوله تعالى: (فَلا أَنْسَابَ)، إشارة إلى الآباء عدوهم الأصحاب، فلا يسأل أحدهما الآخر عن حاله، بل كل أحد مشغول بنفسه.
قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا... (١٠٦)﴾
يدل على اتصافهم بمذهب الجبرية القائلين: بأن لَا قدرة للعبد ولا كسب، لأنهم آتوا هذا عذرا لهم، أن هذا أمر قدر علينا لَا طاقة لنا به، كقول آدم لموسى صلى الله على نبينا محمد وعليهما وسلم: [تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ*]، وقولهم (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا... (١٠٧) يدل على اعتقادهم أن لهم كسبا [واختيارا*].
قوله تعالى: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (١٠٨)﴾
قال الزمخشري: وعن ابن عباس رضي الله عنهما [إنّ لهم ست دعوات: إذا دخلوا النار قالوا ألف سنة: رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فيجابون: حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي*].
ابن عرفة: يحتمل أن يجابوا بذلك في كل مرة، أو في المرة الأخيرة، وهو وكذلك الحكم في الست دعوات إلى آخرها، قال ابن عطية: ونهيهم عن الكلام، وهم لَا يستطيعون الكلام مبالغة في المنع، [ورده*] ابن عرفة: بوجهين:
الأول: أنهم يستطيعون الكلام وقد قالوا: [(يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) *] وتكلموا بغير هذا، وقد ورد الدعاء بالواجب، فكذلك النهي عما هو غير مستطاع.
قوله تعالى: (اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ).


الصفحة التالية
Icon