في تقلبهم فهم بسبب ذلك معجزين لأن أخذه لهم حالة التقلب والتحرك مظنة لفرارهم وهروبهم فدخل حرف النفي فنفى ذلك السبب المترتب على تقلبهم أي فما يكون تقلبهم سببا في تعجيزهم له لأن الفاء دخلت بعد النفي لأنه لَا يصح فيها السببية إلا على هذا التأويل.
قوله تعالى: ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ... (٤٧)﴾
والتخوف النقص، قال الشاعر يصف ناقته، وهو زهير.
[تخوف السّير مِنْهَا تامكا قردا... كَمَا تخوف عود النبعةِ السفن*]
قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ... (٤٨)﴾.. الرؤية بصرية بدليل تقدمها بـ (إلَى) كما قال تعالى: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) والإنكار ليس هو نفس الرؤية بل للازمها وهو التفكر والاعتبار.
قال ابن عرفة: وانظر هل وقع التوقيف بمجموع تفيؤا الظلال وكونها ممجدة الله أو بمجرد كونها سجداً لله فقط، فهل قوله تعالى: (يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ) حال أو صفة ونظيره قولك: أليس إنك زيد العالم راكبا، وقولك أليس إنك زيد عالما راكبا، قال: والصواب الأول لأن تفيؤها أمر حسي مشاهد؛ وكونها سجدا فلا يدرك بالمشاهدة بل بالدليل العقلي.
قال ابن عرفة: وعلى هذا التأويل تكون الآية حجة لمن يقول إن العرض لَا وجود له والمشهور عند المتكلمين أنه أمر وجودي حكى القولين المقترح، ووجه الدليل أن الأمة دلت على أن كل شيء مخلوق لله تعالى وأن ظله مستفيء ساجد الله تعالى والتفيؤ من صفات الأجرام والذوات، والعرض ليس بذات فليس بمخلوق لله وهذا كفر، وإذا جعلنا تتفيؤ صفة لشيء يكون المعنى أن كل شيء موصوف بالتفيؤ فهو مخلوق لله فأنكر عليهم عدم الاعتبار به حالة سجوده وقوله تتفيؤ أي ترجع عن اليمين يريد يمين الناظر إليه لأن الناظر إلى الظل أول النهار ينظر إلى جهة القبلة حيث هو محل طلوع الشمس فيكون الظل حينئذ عن يمينه فلذلك بلا باليمين، وقوله: (يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ) أي يرجع عن جهة اليمين إلى جهة الشمال، وقوله: (وَالشَّمَائِلِ) أي يرجع عن جهة الشمال إلى جهة اليمين لأن (عَنِ) تقتضي المجاوزة، فالمراد مجاوزته جهة اليمين إلى جهة الشمال والعكس، فإن قلت: لم أفرد اليمين وجمع الشمال؟ فالجواب بوجهين: الأول: أن الظل حالة كونه عن يمين الناظر، وذلك [أول*] النهار [يتأتى النقص*]، فكانت له جهة واحدة نقص عنها، وفي آخر النهار يأخذ في الزيادة


الصفحة التالية
Icon