قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ... (١١)﴾
ابن عرفة: كان بعضهم يقول: إن دل الدليل على الاعتناء بالمخاطب، فإنه يقال: لا تحسب زيدا قائما، وإن لم يقصد الاعتناء به، فيقال: ليس زيد قائما.
قوله تعالى: ﴿ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (١٢)﴾
وكان بعضهم يقول: إطلاق الألفاظ على مسمياتها تابع للتركيب الوجودي، ولا شك أن ظن الخير سبب في قوله: والسبب سابق على المسبب، هلا عطف بالفاء، فكان يقال: فقالوا هذا إفك، قال: لكن يجاب بأنه إذا كانت السببية ظاهرة جلية، لم يحتج إلى عطفها بالفاء، وإنما يحتاج ذلك في السببية الحقيقية.
قوله تعالى: ﴿فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (١٣)﴾
ابن عرفة: يؤخذ منه أن من قذفه رجل بالزنا، وعلم من نفسه صدق قاذفه، وأنه زان فلا ينبغي له السكوت عنه، بل يرفع أمره إلى الحاكم، ويقوم بحقه في ذلك حتى يجد قاذفه حد القذف بدليل قوله تعالى: (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ)، فكل من لم يأت بالشهادة على صحة قوله فهو عند الله كاذب، وإن كان في نفس الأمر صادقا، يؤخذ من الآية أن من رمى عائشة رضي الله عنها، وكرم وجه أبيها بذلك، فهو كافر؛ لأنه كذب بالقرآن، ومن رمى غيرها من نسائه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورضي عنهن فهو فاسق؛ لأن الكل مبرءات [طاهرات*] غير أن تبرئة عائشة رضي الله عنها، وكرم وجه أبيها، وردت في القرآن بخلاف غيرها، ولم يكن هذا في زوجة نبي قط؛ لأنه مما يعيب الرجل أن تكون زوجته زانية.


الصفحة التالية
Icon