أي اتخذني عبدا، وكان النَّاس يرونه عبدا مطيعا لأمري.
قوله تعالى: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٣)﴾
إن قلت: لو أعاد الفاعل ظاهرا أو هو من تمام جملة تقدم ذكره فيها بدليل قوله: تقدم حرف العطف، قلنا: لقرابة مقالة القبح، ولذلك يقول ابن الحاجب: قالوا كذا، ويقول سيبويه: زعم الخليل فى قوله: انفرد به في الحسن والقبح.
قوله تعالى: (وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ).
وقال تعالى في طه: (فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى).
قال ابن عرفة: السؤال بـ (مَنْ) عن الحقيقة باعتبار المعقول منها، والسؤال بـ (ما) عن الحقيقة على الإطلاق والإبهام.
قال ابن عرفة: والحكماء قالوا: لَا يجوز إدراك [حقيقة الذات*] الكريمة والعلم، لأن ذلك [إما*] ضروري أو نظري، فلو كان ضروريا لعلمه كل، والنظري يعلم إما بالحد أو بالرسم، والحد مركب من الجنس والفصل، فيلزم عليه تركيب الذات الكريمة وهو محال، والرسم لَا [يفيد*] إدراك الحقيقة بوجه، ومذهب أكثر المتكلمين بأن إدراكها جائز عقلا غير واقع، قال ابن الخطيب في المطالب العالية: روي أن بعض الزنادقة قد أنكر الصانع عند جعفر بن محمد الصادق، فقال له جعفر: ما حرفتك؟ قال: التجارة، فقال: هل ركبت البحر؟ قال: نعم، قال: هل رأيت أهواله؟ قال: نعم، هاجت مرة رياح هائلة فكسرت السفينة، وغرق النَّاس، فتعلقت ببعض ألواحها وبقيت في ملاطم الأمواج حتى اندفعت إلى الساحل، قال له: فلما [ذهبت*] هذه الأشياء عنك أسلمت نفسك إلى الهلاك، أم كنت ترجوا النجاة؟ فقال: كنت أرجو النجاة، فقال: ممن كنت ترجوها؟ فسكت، فقال جعفر: من إلهك الذي كنت ترجو، هو الذي سلمك من الغرق، وهو مأخوذ من قوله تعالى: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)، وكان أبو حنيفة شديداً على الدهرية، وكانوا ينتهزون الفرصة في قتله، بينما هو قاعد في مسجده يوما إذ هجم عليه جماعة بسيوفهم مسلولة وهموا بقتله، فقال: أجيبوا عن مسألة ثم افعلوا ما شئتم، فقالوا: هات، فقال: ما تقولون في رجل يقول لكم إني رأيت سفينة مملوءة بالأحمال والأثقال، أخذتها أمواج متلاطمة وأرياح مختلفة، وهي تجري مستوية ليس لها ملاح يجريها، هل يجوز ذلك بالعقل؟ فقالوا: لَا، فقال أبو حنيفة رضي الله عنه: يا سبحان الله، إذا لم يجز هذا، فكيف تجوز قيام هذه الدنيا على اختلاف أحوالها وسعة أطرافها


الصفحة التالية
Icon