من غير مانع ولا حافظ؟! فسكتوا، وقال: صدقت، وقال: هذا مأخوذ من قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيرِ عَمَدِ تَرَوْنَهَا)، ومن قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ)، قال: وسئل الإمام الشافعي رضي الله عنه عن الدليلَ على [وُجُودِ الصَّانِعِ*] فقال: [ورق*] الفرصاد وطعمها ولونها وطيبها وريحها، تأكلها الدود فيخرج الإبريسم، ويأكلها النحل فيخرج [منه*] العسل، [وَتَأْكُلْهُ الظِّبَاءُ فَيَخْرُجُ مِنْهَا الْمِسْكُ*]، ويأكلها سائر الحيوانات، [فَتُلْقِيهِ بَعْرًا وَرَوَثًا*] (١)، قلت: الفرصاد هو التوت، فالذي دبر هذه الأحكام هو الله سبحانه وتعالى، قال: وسأل هارون الرشيد مالكا رضي الله عنه، فاستدل باختلاف الأصوات، وتردد النغمات، وتفاوت النبات، قال تعالى (وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ)، قال: وسئل أبو نواس عن هذا، فقال:
تَأَمَّلْ في رِيَاضِ الرِّوضِ وانظر | إلَى آثارِ مَا صَنَعَ المَلِيكُ |
عُيُونٍ مِنْ لجينٍ شاخصاتٍ | بأحداقٍ كما الذَّهَب السَّبيك |
عَلَى قَضِيبِ الزَّبَرْجَدِ شَاهِداتٍ | بأَنَّ اللهَ ليسَ لَهُ شَرِيك |
قال الزمخشري: في هذه الآية دليل بها أنه لَا يأتي بالمعجزة إلا الصادق في دعواه، لأن المعجزة تصديق من الله تعالى لمدعي النبوة، [والحكيم*] لَا يصدِّق الكاذب، ومن العجب أن مثل فرعون عليه اللعنة لَا يخفى عليه هذا، ويخفى على ناس من أهل القبلة [حيث*] جوزوا [القبيح*] على الله تعالى حتى لزمهم تصديق الكاذبين [بالمعجزة*].
قال ابن عرفة: تقديره لو لم [يجزم*] العقل بحسن وبقبح؛ لصح صدور المعجزة على يد الكاذب، واللازم باطل والملزوم مثله، وأجاب الطيبي عن ذلك بأن قال: استقرأنا المعجزات كلها فوجدناها لَا تظهر إلا على يد الصادق.
قال ابن عرفة: هذا الكلام دليل على ضعفه في أصول الدين، حيث لم يرد على الزمخشري إلا بالاستقراء، قال: والجواب عن كلام الزمخشري بوجهين:
الأول: منع الملازمة؛ لأن دلالة المعجزة أن تنزلت منزلة صدق عبدي وظهورها على يد الكاذب كذب، فيلزم وقوع [الخلف*] في خبره تعالى، وهو باطل وإن لم يتنزل منزلة صدق عبدي فدلالتها إما عقلية أو عادية، والدلالة العقلية في العلوم العادية.
الجواب الثاني: [بمنع*] الملازمة؛ لأن ظهور المعجزة على يد الكاذب يوجب [تباين الشيء بالشيء*]، وذلك باطل.
"سُئِلَ عَنْ وُجُودِ الصَّانِعِ، فَقَالَ: هَذَا وَرَقُ التُّوتِ طَعْمُهُ وَاحِدٌ تَأْكُلُهُ الدُّودُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْإِبْرَيْسِمُ، وَتَأْكُلُهُ النَّحْلُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْعَسَلُ، وَتَأْكُلُهُ الشَّاةُ وَالْبَعِيرُ وَالْأَنْعَامُ فَتُلْقِيهِ بَعْرًا وَرَوَثًا، وَتَأْكُلْهُ الظِّبَاءُ فَيَخْرُجُ مِنْهَا الْمِسْكُ وَهُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ.". اهـ (تفسير ابن كثير. ١/ ١٩٧).