الجواب هنا عكس الجواب هناك، وهو أن تلك الآية خرجت مخرج التشديد على الهدهد، وهذه خرجت مخرج التلطف ببلقيس أنه هنا بمجرد كذبة واحدة يحصل في ملأ الكاذبين، والجواب هنا: أي في هذه العبارة رفق بها وتلطف، قال: لأن الحكم إذا كان موقوفا على أمرين متفاوتين، فإن كان جانب الذم فيها أشد وأرجح يحصل منها مطلق اهتداء ويتصف بأقبح ما يكون، فخرجت هذه الآية مخرج التلطف والتخفيف عليها.
قوله تعالى: ﴿قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ... (٤٢)﴾
ولم يقل: هذا عرشك.
قال الزمخشري: لئلا يكون تلقينا وتفهيما، وقال ابن عرفة: بل هو إشارة إلى أن السؤال عن مثل الشيء أخف على المسئول من السؤال عن ذات الشيء نفسه؛ لأنه أقرب إلى المعرفة، فيجد كثيرا من يقول: هذا مثل زيد، ولا يجد من يقول: هو زيد.
قوله تعالى: (قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ).
انظر هل المعنى كان هذا هو عرشي أو كان عرشي هو، هذا الظاهر الثاني لمشاكلة السؤال؛ لأن المعنى أعرشك مثل هذا؟ قالت: كان عرشي مثله.
قوله تعالى: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ... (٤٦)﴾
قال ابن عرفة: السؤال بالهمزة عن ذات الفعل، والسؤال بقوله: لم عن علة الفعل وسببه، فما السر في العدول عن الهمزة إلى اللام؟ وأجاب بأنه تقدم.
قوله تعالى: (فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ).
ومن [نصب*] نفسه منصب المخاصمة، فهو عارف بالحجة، لذلك سألهم عن علة الاستعجال ودليله لَا عن نفسه.
قوله تعالى: ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٥٤)﴾
أي تعلمون أنها فاحشة.
وقال الفخر؛ العالم لَا تصدر منه معصية أصلا، فإذا عصى فهو جاهل؛ لأنه يرجح المرجوح، وترجيح المرجوح جهل، فلذلك قال لهم لوط عليه السلام (بَلْ أنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُون)، قال: والإطناب بـ بل إضراب انتقال، والانتقال في باب الذم، إنما يكون على أمر خفيف إلى ما هو أشد منه، وقدر بعضهم الأشدية هنا بأن الضرب عنه رافع