ومفعول بأن، ويعلم على بابه وعلى إعراب الزمخشري بمعنى المعرفة، والمعنى قل لا يعلم المخلوق في السماوات والأرض غيبه، أي الذي اشتمل عليه الغيب إلا الله، فإن قلت: بدل اشتمال لَا بد فيه من الضمير، قلنا: الألف واللام نابت مناب الضمير تقديره غيبه أو الغيب منه كما قدروه في صورة فالرجل الحسن الوجه، أي قل لَا يعلم غيب المخلوق في السماوات والأرض إلا الله، أي لَا يعلم المغيبات إلا الله من أمر المخلوقين إلا الله، وهذا أحسن من إعراب الزمخشري، وأبي حيان لما يلزم في إعرابها من المجاز، قلت: وذكرت هذا لصاحبنا الأستاذ أبي العباس ابن القصار فاستحسنه قال: لكن ظاهر اللفظ في حقيقته ولا يحتاج إليه؛ لأن سيبويه أجاز أن يقول: ما رأيت زيدا إلا عمرا، مع أن عمرا ليس خبر ومن زيد لكنه على نية طرح الأول، أي ما رأيت إلا عمراً، فالمعنى هنا: قل لَا يعلم الغيب إلا الله.
قوله تعالى: (وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ).
الشعور هو مبادئ العلم، ثم أضرب عنه، بقوله تعالى: (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ)، فالأول: اقتضى نفي النظر عنهم، والثاني: اقتضى أنهم نظروا نظرتهم إلى عدم معرفة وقتها، وإنَّمَا لهم ظنون كاذبة أو هم في شك منها، والشاك غير حاكم بشيء فهم جاهلون لها جهلا بسيطا.
قوله تعالى: ﴿بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (٦٦)﴾
حاكمون بترجيح المرجوح منها، جاهلون بها جهلا مركبا، لأن الناظر تارة ينظر نظرة إلى الشك واستواء الطرفين عنده، وتارة يحكم بترجيح الراجح وهذا عالم، وتارة يحكم نصهم على ترجيح المرجوح، فهذا وهم وجهل مركب، وأفاد الإضراب بـ بل أنهم أولا جاهلون، فليس بها شعور ألبتَّة، بل انتقلوا إلى النظر الموصل للعلم بها، ثم نظروا أو أداهم النظر إلى الشك فيها لم بعد ذلك قطعوا وصمموا على إنكار الإعادة، فكانوا بحيث تنفع فيهم الموعظة ويطمع في رجوعهم، ثم انتقلوا إلى حالة اليأس منهم والقطع بعدم رجوعهم، ويحتمل أن يكون ذلك باعتبار الأنواع، فمنهم جاهل، ومنهم عالم معاند، ومنهم شاك، ومنهم مصمم على إنكار البعث والإعادة.
قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا... (٦٧)﴾
وهذا من إيقاع الظاهر موقع المضمر.
قوله تعالى: ﴿لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ... (٦٨)﴾