إما أن يراد الصائر إلى الإيمان كما قال الزمخشري، في قوله تعالى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)، وهو هدى للمؤمنين حقيقة باعتبار انتقالهم به من مقام إلى مقام أعلى منه.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ... (٧٨)﴾
قال الزمخشري: أي بعدله، وليس المراد الحكم؛ لأنه لَا يقال: يضرب بضربة.
قال ابن عرفة: الإضافة إلى الضمير يرفع هذا الإشكال، أي بمحكمه اللائق به، كما قال تعالى في (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا)، وكذلك (أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أقْفَالُهَا).
قوله تعالى: (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ).
أي العزيز الذي لَا يمانع ولا يدرى وجه حكمه، العليم بخفيات الأمور.
قوله تعالى: ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ... (٧٩)﴾
التوكل هو استحضار الحاضر ونسبة الحوادث كلها إلى الله عز وجل، ونقل بعض الطلبة عن بعضهم: أن التوكل هو الوثوق بالمظنون، وترك الحركة والأمثال على السكون.
ابن عرفة: والأول أصوب وهو قسمان: ابتدائي وانتهائي، فبدئه لَا ينافي الأسباب العادية، ومنتهاه وهو الطريق الموصوفة ينافي الاشتغال بالأسباب العادية.
ابن عرفة: وعطفه بالفاء لإفادة السببية، إشارة إلى أنه لما كان طريق الإيمان لا يمانع ولا يناط بحكمه أمر بالتوكل على الله والتفويض إليه في الأمور، ويحتمل أن يقال لما تقدم.
قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ).
عقبه بما يفيد إفراده والاعتماد عليه في الأمور، فالذي يفيد انفراده بذلك، هو قوله تعالى: (الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ)، وهذه تفيد الاعتماد عليه في الأمور، قال بعضهم: وحاسة السمع أشرف من حاسة البصر، بدليل أنها لم يسلبها نبي بخلاف البصر، فإن قيل: ما أفاد قوله تعالى: (إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ)، قلنا: الأصم إذا كان فبأولئك يشير إليه فيهم عنك بالإشارة، بخلاف ما إذا صيرك خلفه، فإنه لَا يسمع ولا يرى، فوصف الكفار بأقبح صفات المخالفة، وعدم الانقياد إلى الحق، فلا يلزم منه أن يقال: نهى


الصفحة التالية
Icon