وقوله تعالى: (يَأتِ بِهَا اللَّهُ)، إشارة إلى تعلق القدرة في الزمن الثاني عن إيجاده، فهو إشارة إلى نفي ما يتوهم من عروض النسيان له بعد إيجاده والذهول عنه، فلا يتعلق به العلم القديم حينئذ، فقوله تعالى: (يَأتِ بِهَا اللَّهُ)، أي بعلمها الله، قال: وخفاء الشيء يكون إما لبعد مسافة، وإما لحاجب بينه وبين الناظر إليه، وإما لاختلاطه بغيره، فقوله (فِي صَخْرَةٍ)، راجع لوجود الحاجب، وقوله (أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ)، راجع لبعد جهته، وقوله (أَو فِي الْأَرْضِ)، راجع لإخلاطه بغيره، أو راجع لموجود في ظلمة.
قوله تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ... (١٧)﴾
ابن عرفة: إن قلت: لم كرر النداء؟ قلت: عادتهم يجيبون: بأن الوصية إن كانت في موطنين فتكريره مناسب، وإن كان في موطن واحد فكرره لوجهين:
إما تأكيد بعده القريحة واستحضارها لسماع هذه الوصية الثانية للولد، فإنه في الأولى أوصاه بأمر علمي اعتقادي، وفي الثانية أوصاه بأمر عملي، أمره بإقامة الصلاة دون غيرها من العبادات لتكررها في اليوم والليلة.
قوله تعالى: (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ).
اعتزل ابن عطية هنا فقال: هذا إنما يريد به أن يمتثل هو في نفسه ويزدجر عن المنكر. قال ابن عرفة: هذا اعتزال، ولذلك كان شيخنا ابن عبد السلام يحرر من المطالب من نظر ابن عطية، فإنه سيئ لكنه ينقل كثيرا عن الرماني، وهو [معتزلي*] فيغفل أحيانا عن كلامه، فيعتزل من حيث لَا يشعر، ومذهب أهل السنة يجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وإن كان متصفا، لقوله تعالى: (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ)، قيل لابن عرفة: لعل ابن عطية لم يرد بذلك الوجوب بل الاستحباب؛ لأنه أدعى إلى القبول، قال الأخطل:
لاَ تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِىَ مِثْلَهُ... عَارٌ عَلِيْكَ إذا فَعَلْتَ عَظِيمُ
قوله تعالى: (إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)، قال البيضاوي: هو جزم تردد الإرادة، وقيل: توطين النفس على الفعل.
قوله تعالى: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ... (١٨)﴾