هو من قدرتها، فأحرى أن ينفي عنها علمها بما يكسب غيرها مما هو من جنسها، فأحرى أن ينفي عنها علمها مما اختص بالقدرة عليه خالقها.
قوله تعالى: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا).
قال ابن عرفة: نقلوا عن ابن الطراوة: صيغة افعل أنها مختصة بالحال، وعن الزجاج؛ أنها مختصة بالاستقبال، وعن الجمهور: أنها مشتركة بينهما، احتج ابن الطراوة بأن المستقبل لَا يخبر به إلا عن أن أو عن مبتدأ عام كقوله:

وكل أناسٍ سوفَ تدخلُ بَيْنَهُم دويهيةٌ تصفرُ منها الأناملُ
قال: ولا يعترفن بقولك زيد يقوم غدا؛ لأن معناه ينوي أن يقوم ورد عليه [الغُبْرِيني*] وغيره بقول الشاعر:
فَلَمّا رَأَتْهُ [أُمُّنا*] هَانَ وَجْدُها،... وَقَالتْ: [أَبوكم*] هَكَذا كانَ يَفْعَلُ
قال وأما قوله معناه ينوي إلا أن يقوم إذا فمردود بهذه الآية، لأن الإنسان لَا يدري ما ينوي إلا أن [**تنفر عند درايته]، قال [الغُبْرِينِي*]: يفسره [غيره*].
قال ابن عرفة: وعادتهم يجيبون: عن ابن الطراوة: بأن النية قسمان: صادقة، وهي التي طابقت ما آل إليه الأمر، وكاذبة، وهي [ما خالفت*] عاقبة الأمر، فالمنفي في الآية هي النية الصادقة، فهو لا يدري الآن أن ينوي ما يكسب [**غدائية] صادقة لا تتخلف، ويخرج الأمر على [وفقها*].
قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ).
قيل لابن عرفة: إن قلت: ما فائدة قوله (مِنْ شَجَرَةٍ)، ولو حذف لكان أبلغ، لأنه إذا كان جميع ما في الأرض من شجر، وحجر ومدر وعظام أقلاما، وكتب بها كلمات الله تعالى فلم [تنفد بنفود*] الأقلام، فأحرى أن [لَا تنفد*] حالة كتبها بالأقلام المصنوعة من الشجر فقط، والجواب: بأنه لو لم يقل من شجرة لزم منه المحال، لأن الأرض فيها الجوهر والعرض فيلزم صيرورة العرض [كلاما*] وهو محال، وكان يلزم عليه المحال، وهو [نفود كلمات الله تعالى*]؛ لأن المحال قد يستلزم محالا، ورده ابن عرفة في مختصره المنطقي: بأنه لو استلزم المحال محالا لما صدقت قضية تقدمها كاذب، مع أنه قد تصدق وقد تكذب، فإِن قلت: هلا قال: ولو أن ما في الأرض من شجر أقلام، فالجواب: أن الشجر أقرب إلى الأقلام من الحجر.
* * *


الصفحة التالية
Icon