ولم يقل: سبحوا بنعمة ربهم؛ لأن النعمة غير ملازمة لهم.
قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا... (١٨)﴾
قال ابن عطية: نزلت في علي والوليد بن عقبة بن أبي معيط؛ لأن الوليد قال لعلي كرم الله وجهه: " [أنا أبسط منك لسانا وأحد سنانا وأرد للكتيبة، فقال له علي بن أبي طالب: اسكت فإنك فاسق*] ".
ابن عرفة: إن صح كيف أن نقول له هذا، وهو مسلم، فأجاب: باحتمال أن تكون هذه نزلت بعد آية الحجرات وهي (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)، لأنها نزلت في الوليد لما بعثه النبي صلى الله عَليه وعلى آله وسلم [إلى بني المصطلق، فقال له: إنهم لم يؤمنوا فأرسل إليهم عليا*] بن أبي طالب، فخرجوا بأجمعهم وآمنوا فنزلت الآية، وكان الوليد لما رآهم خرجوا بجماعتهم ظن أنهم يقاتلونه، وهو الذي ولاه عثمان على الكوفة، وعزل عنها سعد بن أبي وقاص مرة، ويقال: إن الوليد أخو عثمان - رضي الله عنه - لأمه فبقي واليا عليهم إلى أن صلى بهم الصبح أربع ركعات، وقال: إن شئتم أزيدكم، فقال ابن عباس: ما زال أمرنا في زيادة منذ وليت علينا، فإذا هو سكران فعزله عثمان، وأمر بجلده، فجلد وهو يعد أسواطه حتى بلغه أربعين، فأمره علي رضي الله عنه بالكف عنه، وقال: جلد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الخمر أربعين، وأبو بكر رضي الله عنه وعمر ثمانين، فإني رأيت أن تقف على أربعين [ففعل*]، قاله أبو عمرو، في الاستيعاب، وهو خلاف ما نقله عنه الأصوليون من أن عليا كرم الله وجهه اختار في حد الخمر ثمانين، وقال: إذا شرب [سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى*] فأرى عليه [حد الضرب*] ثمانين، وذكر أنه شهد عليه رجل أنه شربها، وأخبر بأنه قاءها، فقال عثمان: ما قاءها حتى شربها.
قال ابن عرفة: ولما تقدم الكلام على المؤمن ومدحه بأخص وصفه عقبه ببيان أن مطلق الإيمان ومطلق الفسق لَا يستويان، وهو دليل على أن المراد هنا بالفسق الكفر، لأنه جعله ضد مطلق الإيمان.
قوله تعالى: ﴿فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى... (١٩)﴾
قال ابن عطية: سميت جنة المأوى؛ لأن أرواح المؤمنين تأوي إليها إلى قناديل معلقة تحت ساق العرش، والعرش سقف الجنة، ولعلها تأوي إليها في الدنيا؛ لأن الشهيد تنعم روحه وجسده.
قوله تعالى: (نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).