اذكر حالهم إذا أخذنا، وأما ذكر الوقت نفسه، فلا يصح؛ لأنه ماض، فكيف يؤمر الآن بالذكر، إلا أن يكون مفصولا به فيكون أمر بذكره لَا بالمذكور فيه، مع أن ابن عطية جعله ظرفا، والنبي أعم من الرسول، وقيل: أخص واحتج ابن [رشد*] على كونه أخص بقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ)، فعطف النبي عليه، دليل على كونه أخص ورد ابن عرفة: بأنه في سياق النفي فينتج له العكس؛ لأن النفي الأخص أعم من النفي الأعم، وقد ذكر محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم تشريفا له، وروي أنه قال: "كنت أول الأنبياء في الخلق وآخرهم في البعث"، قيل لابن عرفة: فجاء تقديمه على الأصل؛ لأنه أولهم خلقا حين أخرجوا من ظهر آدم [كالذر يوم (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) *]، فقال: لزمك أن يكون خلق، قيل: آدم مع أنه أخرج من ظهره، قلنا: نلتزمه لما ورد أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان ذرا قبل خلق آدم انتقل ذلك النور إلى ظهره، نقله عياض في الشفاء في الفصل السادس من الباب الثاني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [كَانَتْ قُرَيْشٌ نُورًا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ بِأَلْفَيْ عَامٍ يُسَبِّحُ ذَلِكَ النُّورُ وَتُسَبِّحُ الْمَلَائِكَةُ بِتَسْبِيحِهِ، فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ أَلْقَى ذَلِكَ النُّورَ فِي صُلْبِهِ*].
قوله تعالى: (وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا).
قال ابن عرفة: وكان شيخنا ابن عبد السلام يقول: إنما كرره؛ لأن المصدر تارة يعتبر من حيث إضافته للمفعول، وتارة يعتبر من حيث إضافته للفاعل، ومثاله إذا أخذ رجلان مالا بالسواء، أخذ أحدهما نصفه منه من عند رجل عظيم، والآخر نصفه منه من عند رجل حقير، فالأخذ بالنسبة إلى المفعول مسبق، وبالنسبة إلى الفاعل متفاوت، فقوله تعالى: (مِيثَاقَهُمْ)، إما مصدر مضاف للمفعول فلذلك لم يصفه بالغلظة، اعتبارا بنسبته للفاعل، وهو الله تعالى، ولما كرره لم يعرف بـ (ال) لكونه ذكر أولا معرفا على منكر.
قوله تعالى: ﴿لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ... (٨)﴾
ذكر ابن عطية احتمال كون اللام للصيرورة، على أن الضمير في يسأل عائد على غير الله تعالى، إما على الملك أو نحوه؛ لأن لام الصيرورة تقتضي أن الفاعل جاهل بعاقبة الأمر.
قوله تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا... (٩)﴾


الصفحة التالية
Icon