قيل لابن عرفة: قد قال المفسرون: سبب نزولها أن نساء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورضي عنهن، قلن له: قد ذكر الله في كتابه الرجال ولم يذكر النساء، فنزلت الآية، فقال: التصريح بذكرهن أدخل في مقام التطمين لنفوسهن.
قوله تعالى: (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً).
وقال ابن عرفة: كان بعضهم يعارضه بقوله تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)، وهذه الأوصاف كلها محصلة للثواب، فلم يبق ما يغفر.
قال: وأجيب: بأنها سبب في المغفرة فغفر له نصا.
قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ... (٣٦)﴾
هذا لنفي القابلية، وهو الفرق بين قولك: ما يفعل زيد كذا، وما كان لزيد أن يفعل كذا، وهو خبر في معنى النهي، وليس بنفي ولا بخبر حقيقة؛ لأن زينب رضي الله عنها لما خطبها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لزيد امتنعت هي وأخوها عبد الله، فنزلت الآية، فأذعنت وامتثلت أمره، وكذلك أم كلثوم بنت عقبة لما وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورضي عنها، فيلزم عليه إما الخلف في الخبر أو كون المخالف غير مؤمن، فلذلك جعلناه نهيا، وبدأ بالمؤمن؛ لأنه لَا يلزم من امتثال ذلك امتثال المؤمنة لما ورد أن "النساء ناقصات عقل ودين".
قال ابن عرفة: وهذه الآية مما يحسن أن يذكر مثالا للعام المتفق على عدم تخصيصه، وهو من آية الأحكام.
وقد قال الفخر: عمومات القرآن مخصوصة إلا قوله تعالى: (وَاللَّهُ بكُلَ شَيءٍ عَلِيمٌ).
فرده ابن التلمساني بعدم انحصاره في ذلك بل منه، قوله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا)، وقوله تعالى: (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)، وقوله تعالى: (مَا لَكُم مِن إِلَهٍ غَيرُهُ).
قال: ونقلوا عن ابن الحاجب أنه كان يقول: الأولى تمثيلة بآية ينبني عليها حكم متفق عليه، وذلك قوله تعالى: (وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا)، قال: نقله عنه ابن عبد السلام، فقال: اختلفوا هل يصح أن يتولى المسلم عقد نكاح المشركة من المشرك أم لَا؟ والآية محتملة لهذا.


الصفحة التالية
Icon