فيها عن ابن عبد السلام القاضي ما نصه قوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ)، قال: تعقيب الحكم بالوصف المناسب ويشعر أنه علة؛ لأن كل ما في السماوات وما في الأرض مستحق للحمد.
فإن قلت: ظاهر الآية أن السماء بسيطة إذ لو كانت [كورية*] لاكتفى بقوله تعالى: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ) عن قوله (وَمَا فِي الْأَرْضِ).
قلنا: مقام الاستدلال حقه من فيه الاستئناف فالصريح بدلالة المطابقة دون دلالة الالتزام، إذ هو أقوى منها، وإنما تقدم علمه بما يلج في الأرض على علمه بما ينزل من السماء؛ لأن النزول بمنزلة الخروج والعروج كالولوج.
قوله تعالى: (قُل بَلَى وَرَبِّي لَتَأتِيَنكُمْ).
لما نفوا الساعة بدعوى مجردة عن الدلائل، قوبلوا بدعوى مقسم عليها، وإن كان القسم لَا يثبت دعوى.
قوله تعالى: (لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ).
قال ابن عرفة: بدأ هنا بالسماوات، قال تعالى (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ).
بدأ بالسماء لأن إتيانها أعظم، فلما أراد بالثاني التخويف من العذاب بدأ بالأرض، لأنها المشاهدة في حصول العذاب، وقوله تعالى: (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ)، دليل على أن الرؤية في قوله تعالى: (أَفَلَم يَرَوْا)، علمية لَا بصرية، قوله تعالى: (وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)، المراد به العلم لَا حقيقة الكتاب، لئلا يلزم عليه التسلسلَ؛ لأن الكتاب إما أصغر أو أكبر، وكل أصغر وأكبر من كتاب فيلزم أن يكون من كتاب، وينتقل الكلام لذلك الكتاب فيتسلسل.
قوله تعالى: (لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ).
قال ابن عبد السلام: هذا الترتيب على الأصل، لأنه لَا يلزم من نفي الملك في الأقوى، وهو السماء، نفي الملك في الأضعف وهو الأرض، وقوله تعالى: (وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) فعلى عكس ذلك؛ لأن ما لَا يملك مثقال ذرة فيهما كيف يكون شريكا فيهما أو ظهيرا؟ وأجاب: بأن ذلك استعظام لنقصان عقولهم، وأنهم يعتقدون الإعانة والشرك فبين من لَا يملك مثقال ذرة، فكأنه لَا يملك مثقال ذرة، الذي هو أحرى أن يكون شريكا ولا ظهيرا كيف يعبد من دون الله؟ فإن