الثاني: الإفك، هو القول الباطل في [نفسه*]، وإن كان قائله صادقا في مقالته مثل أن يخبرك شخص عن [**عمرو يقام زيد]، وهو صادق في الإخبار عن عمرو، ولكن ذلك الكلام في [نفسه*] كذب، فلما قال: (مفترى)؛ أفاد أن الكلام في [نفسه*] كذب، وأن ناقله كذب أيضا على المنقول عنه في حكايته.
قوله تعالى: (لِلْحَقِّ).
الزمخشري: [لامان الجر ولام التعريف*] (١).
قوله تعالى: ﴿وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا... (٤٤)﴾
دلت الآية على أنهم في تكذيبهم للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم غير مستندين إلى كتاب منزل، ولا إلى إخبار رسول، ولا إلى خبر تواتر، لأن الذين من قبلهم قد كذبوا، وإذا كذبوا انقطع التواتر، لأن شرطه صدق المخبرين، أما المكذبون فلا.
فإن قلت: إنهم لم يشترطوا في التواتر صدق المخبرين، بل قالوا: إن خبر الكفار البالغين عدد التواتر يفيد العلم، فالجواب: إنما ذلك إذا أخبروا عن أمر شاهدوه، وأما النقل فلا، لأن الكفار البالغين عدد التواتر نقلوا لهم ذلك عن قوم كذبوا بينهم، فلا يعتمد على قولهم بوجه لقوله (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبلِهِمْ).
وإنما احتيج إلى ذكر الثلاثة، لأن الرسول لَا يستلزم الكتاب، إذ قد يكون رسولا بغير كتاب منزل عليه.
فإن قلت: لم وصف الكتب بـ يدرسونها، مع أن نفي الأخص لَا يستلزم نفي الأعم، فيبقى المفهوم، فالجواب: أن الكتب ما ينتفع بها إلا بالنظر وبالدرس وإلا فوجودها كالعدم، فهذه لازمة أو هو مفهوم خرج مخرج الغالب فلا يعتبر.
قوله تعالى: ﴿فَكَذَّبُوا رُسُلِي... (٤٥)﴾
إن قلت: ما أفاد بعد قوله تعالى: (وَكَذبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)، فالجواب: بوجوه:
الأول: أن هذا مقيد، والأول مطلق.
الثاني: والمراد بالأول تكذيبهم المعجزات، وبالثاني تكذيب الرسل.

(١) النص هكذا في الكشاف:
"لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ وما في اللامين من الإشارة إلى القائلين والمقول فيه، وفي لما من المبادهة بالكفر: دليل على صدور الكلام عن إنكار عظيم وغضب شديد، وتعجيب من أمرهم بليغ، كأنه قال: وقال أولئك الكفرة المتمرّدون بجراءتهم على الله ومكابرتهم لمثل ذلك الحق النير قبل أن يذوقوه". اهـ الكشاف. ٣/ ٥٨٨).


الصفحة التالية
Icon