فإن قلت: لم ذكر في الثاني ما وقع الغرور عنه، وهو الله تعالى، ولم [يذكره*] في الأول، إذ لم يقل: فلا يغرنكم بالله الحياة الدنيا، فالجواب من وجهين:
الأول: أنه حذف من الأول لدلالة الثاني عليه، وهذا كثير في لسان العرب، وإنَّمَا القليل عكسه.
الثاني: أن الحياة الدنيا إنما [تغر*] في شهواتها والمأكل والمشرب والشهوة البهيمية والملبس فقط، وأما الشيطان فإنما يغر ويوسوس في الشرك بالله والكفر، فلأجل ذلك ذكر معه اسم الله عز وجل.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ... (٦)﴾
وهذا من النسب الغير متعاكسه، لأنه قد يكون الإنسان [عدوا*] لشخص، ويكون الشخص ذلك صديقا له، لكن هذا ما يتأتى إلا فيمن لَا يعرف منه ذلك.
قوله تعالى: (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا).
فإِن قلت: كيف يتأتى ذلك، مع أن هذا لَا يمكن إلا في شخص معين تراه بحيث تتحرز منه وتتحرر، وأما الشيطان فهو خفي لَا يظهر، فكيف التحرز منه؟ فالجواب: أن هذا كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: إن يكن خيرا فمن الله وإن يكن غير ذلك [فمن*] من الشيطان، فالإنسان مكلف بأن يزن أعماله بالميزان الشرعي، فإن رآها جارية على ما أمره الشرع به، علم أنها كلها من الله، وإن رآها مخالفة للشرع علم أن ذلك من وساوس الشيطان.
قوله تعالى: (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ).
حزبه هم الذين انقطعوا إليه وصاروا قوة، وهم الشياطين، ويكون المراد بالشيطان إبليس لعنة الله عليه، فالمعنى أن أصدقاءه الذين لَا عداوة بينه وبينهم، إنما يدعوهم ليكونوا من أهل النار، فما [بالك*] فيمن هو عدو لهم هو يدعوهم إلى النار من باب أحرى.
فإن قلت: إذا كان حزب الشيطان بعض أصحاب السعير، فمَن البعض الآخر؟ فالجواب: أن أصحاب السعير هو وحزبه ومن تابعهم من بني آدم.
قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا... (٨)﴾


الصفحة التالية
Icon