يردون عليكم بجواب لعدم رضاهم ما أنتم تدعون، ولا يرد في هذه الآية الإشكال الوارد في قوله تعالى: (وَلَو عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيرًا لأَسْمَعَهُم)، لأن تلك استثنى فيها عن التالي، ومنه جاء الإشكال، وهنا استثناء نقيض التالي، لأن السمع في تالي الصغرى منفي وفي مقدمة الكبرى مثبت، ولما اشتملت الآية على دليلين عقلي ونقلي.
قوله تعالى: (وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ).
وهذا الكلام محمول على المعنى، لأنك إذا قلت: لَا تفعل هذا مثل عمرو ففعله منفي عن مثل عمرو، فيلزم نفي الإنباء عن مثل الخبير، وليس لذلك [بل*] المراد ولا ينبئنا أحد مثل خبير، وهذا إن أريد به الله تعالى فيتعين أن [تكون*] سالبة، والسالبة عند المنطقين ما تقتضي وجود الموضوع بوجه، بخلاف [المعدد له*] والله تعالى لَا مثل له، فلذلك كانت سالبة، لأن مثله غير موجود.
قوله تعالى: ﴿أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ... (١٥)﴾
مفهوم الحصر من اللقب منتف، بل هو تنبيه بالأدنى على الأعلى، لأنه إذا كان الحيوان العاقل الذي به الاستقلال بنفسه إلى الله تعالى، فأحرى من دونه من الحيوانات والجمادات، فهو مفهوم موافقة لَا مخالفة.
قوله تعالى: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ... (١٦)﴾
أي [إن يشأ*] إذهابكم يذهبكم.
قوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى... (١٨)﴾
فيها سؤالان:
الأول: أنه تقرر أن نفي الأخص لَا يستلزم نفي الأعم، فهلا قيل: لَا تزر نفس وزر أخرى، لأن النفس قد تكون وازرة وقد تكون غير وازرة، فيلزم المفهوم، وجوابه: أن مفهوم (أُخْرَى) لأن النفس الوزارة هي العاصية المتحملة للذنوب، فإن كانت النفس العاصية لَا تحمل وزر غيرها فأحرى الطائعة، لأن حمل الوزر عقوبة.
الثاني: [ما الجامع بينها وبين حديث: "مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ"، وقوله تعالى: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ) "*]، وجوابه: أن الحديث وتلك الآية في صناديد الكفار الذين كفروا وتسببوا في كفر أتباعهم، لأن فاعل السبب فاعل للمسبب، وهذه الآية في الأتباع، ومن اختص بفعله ولم يتسبب في معصية أحد.