قوله تعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا... (٢١)﴾
ابن عطية: فيه دليل على تحريم الأخذ للأجرة على مثل هذا. انتهى، يرد بأن الآية اقتضت مدح تاركها لَا ذم آخذها.
قوله تعالى: ﴿وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢)﴾
يراد بالعبادة إما الاعتقاد القلبي والإنابة، أو العمل والطاعة، فيكون فيه حجة للمعتزلة القائلين: بأن شكر المنعم واجب لاقتضاء الآية، أن الاختصاص بالخلق والإعادة موجب للعبادة بالفعل، إلا أن يجاب: بأن الآية إنما اقتضت تكميل العبادة، وأن موجب العبادة كان عنده مستفادا بالسمع من شرع الأمم السالفة قبله، وأتى هذا على سبيل التكميل لذلك، لَا أنه مستقل بالوجوب، واقتضت الآية الاستدلال بالوحدانية والمعاد؛ أما الوحدانية فأمر عقلي، وأما المعاد فنحن نقول بجوازه من جهة العقل، ووقوعه من جهة السمع، والذي بقاعدة التحسين والتقبيح هو عنده واقع عقلا، وفي الآية دليل له؛ لأنه جعل [الخلق*] كالدليل على الإعادة، لأنه رتبها عليه وأتى بها بعده، والوحدانية تقرر أن دلالة المعجزة لَا تتوقف.
قلنا: عند الأكثر، [يدل*] على مجرد وجود الصانع، فالوحدانية يصح استفادتها من السمع، قيل: لو أتت الآية على أسلوب واحد، وما لكم لَا تعبدون الذي فطركم، فلم عدل عن ذلك مع أن معلوم اتصافه بالعبادة، فلا تحتاج إلى أنه يخبر بها؛ أجيب: أنه إشارة بـ إلى أنه لم يأمرهم إلا بما فعله هو في خاصة نفسه، ويحتمل أن يكون في الآية حذف التقابل أي [وما لكم لا تعبدون الذي فطركم*].
قوله تعالى: ﴿إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ... (٢٣)﴾
فيه المبالغة في عجزهم من وجهين:
الأول: لفظ (الرَّحْمَنُ)، أي إذا عجزوا عن دفع الضر الواقع ممن هو في مقام الرحمة فأحرى،
الثاني: تنكير (ضُر) للتنكير.
قوله تعالى: (وَلَا يُنْقِذُونِ).
الإنقاذ أعم من إغناء الشفاعة؛ لأنه لَا يكون بالمحاربة وغيرها، فنفيه أخص فهو من عطف الأخص على الأعم.