وأورد الزمخشري هنا سؤالا هو: ما الفائدة في قوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ)؟ مع أنه أغنى عنه قوله تعالى: (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ)، وأجاب: بأن معناه ما كان يصح في حكمنا أن ننزل إهلاك قوم حبيب بجند من السماء بناء على ما تقتضيه الحكمة وأوجبته المصلحة، وهو بناء على مذهبه الفاسد، وهل هو راجع إلى قاعدة التحسين والتقبيح أو لقاعدة تعليل أفعال الله تعالى؟ وهو الظاهر؛ لأن الأولى إنما يكون غالبا في الأمور الشرعية، وهذا أمر فعلي فهم يقولون: إنه يفعل للغرض، ونحن نقول: يفعل بما يشاء، ويحكم ما يريد لَا لأغراض؛ لأن ذلك إنما يكون من العاجز؛ فيفعل الأسباب الموجبة للغرض.
ولم يذكر الطيبي هنا شيئا فيبطل الجواب على مذهبنا، ويبقى السؤال واردا، فيجاب عنه بوجهين:
الأول: أن النفي في قوله تعالى: (وَمَا أَنْزَلْنَا)، دخل على أخص مقيد، بقوله تعالى: (مِنَ السَّمَاء)، وهو أعم وفي (وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ)، دخل على الأعم فهو أخص.
الثاني: أن الثاني أفاد نفي القابلية، وهي راجعة إلى الأسباب والأحوال التي اتصف بها غيره.
ابن عطية: (ما) يحتمل كونها نافية أو موصولة.
فرده أبو حيان: بأنه ليس مذهب البصريين؛ لأن مذهبهم أن (مِنْ) الزائدة لَا تدخل على الموصول، انتهى، إنما يتعقبه بمثل هذا على من لم يعرف إلا بمذهب الكوفيين، وترك مذهب البصريين، وابن عطية إنما قال: يحتمل كذا أو يحتمل كذا.
وقد قال الفارسي في (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ) يجوز كون (مِنْ) و (مِنْ) الأخرى زائدتين، فتجوز الزيادة في الإيجاب.
وقال ابن جني في (لَمَا آتَيتُكُم مِن كتَابٍ)، على تشديد [(لَمَّا) *]: (مِنْ) زائدة.
وقال ابن مالك في من الداخلة على قبل وبعد: أنها زائدة؛ لأن كونها لابتداء الغاية على ما ذهب إليه الجمهور يلزم منه دخولها على الزمان، فتأولوا قوله تعالى: (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ)، أي من تأسيس أول يوم.