قال شيخنا: هذا لَا يفيده جوابا وترجيحا، وحقه أن يبطله بقولهم: إن الفعل تابع للفاعل في تذكيره وتأنيثه ما لم يفصل بينما بـ إلا، فحينئذ لَا يجوز التأنيث إلا في شاذ كقوله:
وما بقيت إلا الضلوع [الجراشع*]
قال وكنت رأيت نقدا على المعري لابن الصائغ، لما ذكر فيه قول ابن عصفور في الفاعل: إذا فصل بينه وبين الفعل فليس إلا التذكير، قال: ولم تكن جوابا عن سؤال، كقولك لمن قال: من قام من النساء؟ فتقول: ما قامت إلا هند، قال شيخنا: ويحسن أن يجاب هنا بذلك، فيقال: إن الآية جواب عن سؤال مقدر، فكأنَّ قائلا يقول: فكيف كانت أخذتهم؟ فقيل له: (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيحَة)، أي إن كانت الأخذة إلا صيحة واحدة.
قيل لابن عصفور: [إنه*] ينازع في ذلك ولا يسلمه، فقال: كلام الزمخشري هنا يقتضيه بدليل قوله؛ لأن المعنى مما وقع من (إِلَّا صَيحَةً) فقدر الفاعل مذكرا فإذا تقدم عليه السؤال مؤنثا كان يعتبر مؤنثا.
قوله تعالى: ﴿يَا حَسْرَةً... (٣٠)﴾
ابن عطية: فسر بعضهم قراءة التنوين بأن الحسرة من العباد أنفسهم وهو بعيد، انتهى، وجه بعده أن التنوين ظاهره أن الحسرة منكرة ليست منهم، بل من غيرهم يتحسر عليهم، ولو كانت منهم لأتى بها مضافة دون تنوين، وأتى لفظ العباد هنا على خلاف الأصل؛ لأن غالب استعماله في الطائعين، وجاء هنا في الفاسقين، لكنه غير مضاف، ولا يقال في الفاسقين عباد الله.
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ... (٣١)﴾
هذه الآية وعظ وتخويف وأمر نظري استدلالي.
الزمخشري: (أَلَمْ يَرَوْا)، ألم يعلموا أو هو معلق، لأن كم لَا يعمل فيها عامل قبلها، كَانَتْ لِلِاسْتِفْهَامِ أَوْ لِلْخَبَرِ؛ لِأَنَّ أَصْلَهَا الِاسْتِفْهَامُ.
ورد أبو حيان الأول بأنه قد يدخل حرف الجر، فتقول [كَمْ عَلَى: كَمْ جِذْعٍ بَيْتُكَ*] وبكم درهم اشتريت ثوبك، انتهى، هذا لَا يليق به؛ لأن حرف الجر ليس بعامل، ألا تراهم يقولون: ما العامل في هذا المجرور وبماذا يتعلق؟ وبدليل صحة دخول حرف الجر على ما الاستفهامية، يحذف منها الألف، وما ذاك إلا لأنه ليس بعارض حقيقة.


الصفحة التالية
Icon