قيل: نفى أولا إدراك الشمس للقمر، ونفى ثانيا سبقية الليل للنهار، ولم ينف سبقية القمر للشمس، مع أن هذا هو المطابق للأول؟ أجيب: بأنه إذا كان أحد الشيئين سابقا على الآخر؛ فتعلق طلب المتأخر بينهما، بأن يلحق بالسابق، أكد من تعلق طلب السابق بأن يزيد في مسافة سبقيته مسافة أخرى؛ فلذلك لم يقل: ولا الليل سابق الشمس، ومعنى السبقية والإدراك في هذا أن فلك الشمس غير فلك القمر، فلا بد جعل أحدهما على الآخر، ولا يسبق أحدهما الآخر في جريه؛ فالمراد أن الشمس لا تزداد في جريها حتى تصير تقطع الفلك في أقل من عام، والقمر لَا يزداد جريه حتى يصير يقطع الفلك في أقل من شهر.
قوله تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمْ... (٤١)﴾
قال بعضهم: فيه ضمير تقديره وآية هي لهم، لأن الابتداء بالنكرة لَا يصح.
فتعقبه أبو حيان: بأنه إضمار ما لَا فائدة فيه.
ونص ابن عصفور في زيد قائم؛ أنه لَا يجوز أن تقول: التقدير زيد هو قائم إذ لا فائدة فيه، وهو خلاف ما يقول المنطقيون، فالرابطة أنها لابد من تقديرها.
ابن هشام: [الْجِهَة الْعَاشِرَة*] إخراج الكلام على خلاف الأصل، أو على خلاف الظاهر [لغير مُقْتَض كَقَوْل مكي فِي ﴿تُبْطِلُوا صَدقَاتكُمْ بالمن والأذى كَالَّذي﴾ الْآيَة إِن الْكَاف نعت لمصدر مَحْذُوف أَي إبطالا كَالَّذي وَيلْزمهُ أَن يقدر إبطالا كإبطال إِنْفَاق الَّذِي ينْفق وَالْوَجْه أَن يكون كَالَّذي حَالا من الْوَاو أَي لَا تُبْطِلُوا صَدقَاتكُمْ مشبهين الَّذِي ينْفق فَهَذَا الْوَجْه لَا حذف فِيهِ*]، [وقول*] بعض العصريين في قول ابن الحاجب: الكلمة هي لفظ [أَصله الْكَلِمَة هِيَ لفظ*].
ومثله قول ابن عصفور في شرح الجمل: إنه يجوز في زيد هو [الفاصل أن [يحذف*] مع قوله وقول غيره: إنه يجوز حذف [العائد*] [فِي نَحْو جَاءَ*] الذي هو في الدار]، لأنه لَا دليل حينئذ عليه.
قوله تعالى: (أَنَّا حَمَلْنَا).
يؤخذ جواز أن يقال: إن الله حمل فلانا، ومثله في الحديث: "لم أحملكم عليه، ولكن الله حملكم"، وامتنع النووي رحمه الله تعالى من إطلاق ذلك.
قال ابن الخطيبفوقَ الماء إنما هو بالفاعل المختار*].
قوله تعالى: ﴿مِنْ مِ: وفي الآية حجة على [الطبائعيين*] القائلين: بأن الجرم الثقيل بطبعه [ينزل*] إلى أسفل فترى [السفن*] ثقيلا، وهو بطبعه يصعد إلى فوق (١)، انتهى، هذا أمر قد شاهدوه، ولهم أن يجيبوا عنه بأن ذلك مع عدم [التعارض*]، وهنا عارض طبع الثقل طبع الهوى، [رُدَّ بإثباته، فَتَعَيَّنَ أنّ حفظَ الثّقيل ثْلِهِ... (٤٢)﴾
(مِن) لبيان الجنس.
"قَوْلُهُ: الْمَشْحُونِ يُفِيدُ فَائِدَةً أُخْرَى غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا وَهِيَ أَنَّ الْآدَمِيَّ يَرْسُبُ فِي الْمَاءِ وَيَغْرَقُ، فَحَمْلُهُ فِي الْفُلْكِ وَاقِعٌ بِقُدْرَتِهِ، لَكِنَّ مِنَ الطَّبِيعِيِّينَ مَنْ يَقُولُ الْخَفِيفُ لَا يَرْسُبُ فِي الْمَاءِ، لِأَنَّ الْخَفِيفَ يَطْلُبُ جِهَةَ فَوْقُ فَقَالَ: الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ أَثْقَلُ مِنَ الثِّقَالِ الَّتِي تَرْسُبُ، وَمَعَ هَذَا حَمَلَ اللَّهُ الْإِنْسَانَ فِيهِ مَعَ ثِقَلِهِ، فَإِنْ قَالُوا ذَلِكَ لِامْتِنَاعِ الْخَلَاءِ نَقُولُ قَدْ ذَكَرْنَا الدَّلَائِلَ الدَّالَّةَ عَلَى جَوَازِ الْخَلَاءِ فِي الْكُتُبِ الْعَقْلِيَّةِ، فَإِذَنْ لَيْسَ حِفْظُ الثَّقِيلِ فَوْقَ الْمَاءِ إِلَّا بِإِرَادَةِ اللَّهِ". اهـ (مفاتيح الغيب. ٢٦/ ٢٨٤)