إن قلت: لم عبر في (الْمُتقِينَ) بالاسم، وعبر في قوله تعالى: (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)، بالفعل؟ قلت: لأن التقوى أمر اعتقادي تجدده خفي غير ظاهر، وهو أقرب للثبوت؛ فاللزوم والعمل الصالح أمر فعلي يتجدد شيئا فشيئا، وتجدده ظاهر يدرك بالحس.
فإِن قلت: هلا قيل: أم نجعل المتقين في الأرض كالفجار؟ قلنا: التقوى أمر علمي معنوي غير [مرئي بالحس*]، والعمل الصالح أمر فعلي محسوس فناسب ذكر محله، ولذلك قالوا: الإنسان له قوتان: علمية وعملية.
قوله تبارك وتعالى (لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ... (٢٩)
قال ابن عرفة: النظر مطلوب في الجميع؛ والنتيجة إنما تحصل لأولي الألباب منهم، وظاهر الآية حجة لبعض المبتدعة، في [قولهم*]: إن [**المعلوم تذكرته]. وهو مذهب باطل لما يلزم عليه من قدم العالم، ويحتج بالآية من [**رجح] تنزيل القرآن على سرده، كما قال تعالى (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)؛ وتحتج لمن [يرى*] سرده، بقوله (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ)؛ [**قوله: جواز العجل فيه بعد استبقاء الملك له (وَحْيُهُ) عن الله تعالى]، وكذلك حديث عائشة في [ركعتي*] الفجر: قالت: كان رسول الله ﷺ يخفف فيهما حتى نقول هل قرأ فيهما [أم لَا*]، وفي بعض [الروايات*]، أن ولد أحمد بن حنبل، قال لأبيه: أنت تسرد القرآن ولا ترتله، فقال: ما سردته حتى فهمت مواعظه وزواجره.
قوله تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ... (٣٠)﴾
قال ابن عرفة: إن قلت: هلا قيل: ووهبنا سليمان لداود؟ فالجواب: أنه قصد الاعتناء بداود والتشريف له؛ وأيضا إنما أخر سليمان ليعود الضمير عليه، في قوله (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)، والضمير إنما يعود على أقرب مذكور.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ... (٣٤)﴾
الفتنة الاختبار، قال الله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ)؛ فاقتضت أن الأنبياء والأولياء يفتنون فيفتنون على دينهم، وكذلك سليمان عليه السلام وما يزيدهم ذلك إلا إيمانا وتسليما كسورة الأحزاب؛ وفي آخر سورة براءة.


الصفحة التالية
Icon