قال ابن عرفة: وعادتهم يوردون سؤالا تقديره؛ أن تأثير الفعل تارة يكون بوقوع أثره في الفاعل، وتارة بوقوع أثره في المنفعل، ويمثلونه بحائط عليه بنيته فحدث فيه اختلاف، فذهاب الخلل منه إما بإعدامه وبنائه، وإما بتخفيف الثقل الذي عليه، فالأول: تأثير في الفاعل وهو [الحامل*] للثقل، والثاني: في المنفعل وهو المحمول.
قال: وتوهم بظاهر الأثر الحاصل في الشيء المفارق، فهلا قيل: فأقدرناه على الريح؛ لأنه يكون تأثيرا في الفاعل راجع إلى ذاته؛ وأما تسخير الريح فهو تأثير في المنفعل بأمر خارق لذات الفاعل؛ وهو سليمان عليه السلام، وكذلك أيضا [عمل الحديد*] في قصة داود، في قوله تعالى: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ)، ولم يقل: وأقدرناه على عمل الحديد، قال: والجواب: أن هداه [دعاه إلى الخالق بالتذكير بالنعمة*]، وهو أن الإنسان إذا أنعم عليه بصفة في غيره. فإنه يتوهم في كل وقت [زوالها*]، فهنا لو [وجدها*] باقية شكر الله على دوامها، بخلاف ما إذا كانت صفة له ملازمة لبدنه، فإنه قد يثق بها [ويأبى*] الشكر عليها؛ ويقبل عن تذكر زوالها؛ فتذكر زوال النعمة المفارق للبدن أقرب من تذكر زوال النعمة المخالطة للبدن.
قوله تعالى: ﴿وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧)﴾
قال ابن عرفة: هذا من باب مطرنا السهل والجبل، فالمراد بالبناء: من يعمل منهم العمل المرتفع على الأرض، وبالغواص: من يعمل منهم العمل المنخفض في الأرض من حفر الآبار وغيرها.
قوله تعالى: ﴿وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (٣٨)﴾
وليس المعنى سخرنا له آخرين؛ بأن المقرن في الأصفاد غير مسخر للخدمة.
قوله تعالى: ﴿مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (٤١)﴾
وقال تعالى في سورة الأنبياء (مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، فأجيب: أن آية الأنبياء أتت في معرض الامتنان؛ فذكر النعم لأن قبلها (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ)، ثم قال تعالى (يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا)، ثم قال تعالى (وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ