إن قلت: ظلل النار عليهم لَا لهم، فالجواب: أنه استغنى عن على بكلمة فوق، فلو أتى بعلى لكان تكراره أتى ليفيد اختصاصهم بعذاب العذاب العظيم، وإدخال من على فوق ليفيد أول مواضع الفوقية؛ فيشعر بكمال ملاصقة النار لهم من غير فاصل.
قوله تعالى: (وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ).
جعلت النار ظله باعتبار أن لهيبها يصعد إلى فوق؛ فيعلو عليهم ويصيرون تحته، أو باعتبار أن النار تدور بهم كالكرة فيصير الأعلى أسفل؛ والأسفل أعلى، فهي ظلة باعتبار ما كانت عليه، فكل جهة منها فوقهم وتحتهم وفوق آخرين.
قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا).
قال الزمخشري: (الطَّاغُوتَ) مبالغة؛ وقدر وجه المبالغة أنه إما مصدر المراد به الجنس، فعبر فيه عن شخص معين؛ وهو الشيطان أو غيره من معبوداتهم، الثاني: فيه القلب؛ لأن أصله [فعلوت من الطغيان كالملكوت والرحموت، إلا أن فيها قلبا بتقديم اللام على العين*].
قال ابن عرفة: ليس في القلب مبالغة.
قوله تعالى: (وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ).
قال ابن عرفة: عادتهم أنهم يقولون: الإنابة سبب في اجتناب الطاغوت، والأصل تقديم السبب على مسببه، فكان بعضهم يجيب: بأن الانتقال من الشيء لغيره لأحد وجهين:
إما لوصف في المنتقل عنه ونحوه.
قال ابن التلمساني في باب الأوامر في المسألة الثانية عشر في اعتراضه على مذهب: [الأمر بالشيء عين النهي عن ضده*]؛ [**قد يكون مقصود الطالب أعلى الخبر الأول]؛ فيكون الطلب منه نهيا، وقد يكون مقصوده [امتثال*] الخبر الثاني فيكون الطلب فيه أمرا [مقدرا*] هنا، السبب إشغال بأن اجتنابهم الطاغوت لمحض ما فيه من المفسدة الدائمة لَا لكونهم رأوا الإنابة إلى الله أحسن منه؛ إذ الاشتراك بينهما في الحسن بوجه، فكان الابتداء به أهم وأولى.
قوله تعالى: (لَهُمُ الْبُشْرَى).


الصفحة التالية
Icon