ابن عرفة: كررت هذه القصص في القرآن كثيرا؛ وذلك لكثرة الوفود الواردين على النبي صلى الله محليه وعلى آله وسلم؛ [فيسمعها*] قوم، ولم يسمعها آخرون، فأنزلت القصة عليه لأجلهم بلفظ آخر، إما بحسب اختلاف الأذهان والعقول، وإما لأن الإخبار بها إذا أنزلت بلفظ آخر خاص بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لَا يسمع من غيره، بخلاف ما لو نزلت بلفظها الأول لكان يقول بعض الصحابة ممن سمعها قبل ذلك يشارك النبي صلى الله محليه وسلم في الإخبار بها للوفود الواردين عليه.
قال: والآيات المعجزات والسلطان المبين راجع إلى التحدي بها والاحتجاج، فهو من قبيل الإرجاع، كقولك: جاءني الشيخ والرجل الصالح، أو يكون السلطان راجع إلى ظهور المعجزة إلا المقترح، قال: وليس من شرطها ظهورها أو راجع إلى نتيجتها، قوله تعالى: (لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ) يحتمل أن يكون من باب العدم والملكة؛ فهم يعبدون ولا ينفعهم، أو من باب السلب والإيجاب؛ مثل الحائط لَا يبصر فهم لَا قدرة لهم على العبادة بوجه.
قوله تعالى: ﴿فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (٢٤)﴾
إما أن بعضهم، قال (سَاحِرٌ)، وبعضهم قال: (كَذَّابٌ)، أو كل واحد منهم قال ذلك، وهل المراد (كَذَّابٌ) ب الإطلاق، أو كذب في سحره إشارة إلى أن سحره توبة وتقوى وليس بحقيقي؛ لأن السحر عندهم محمود، إذ هو علم من العلوم، وعلى هذا فيكون أطلق الكذب على الفعل، وقد تقدم في حديث سليمان؛ حيث كان يظهر أنه يفعل ولا يفعل، أنه يؤخذ منه عدم إطلاق الكذب على الفعل، وظاهر كلام ابن التلمساني في باب الإخبار في صحة إطلاق الكذب عليه ونحوه لابن عطية في قوله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا).
قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا... (٢٥)﴾
مع ما قبلها إشكال. لإيهامه أنه قبل ذلك [لم يكن جاءهم*]، كقولهم: جئت زيدا، فلما أخبرته بقصة عمرو خرج مسافرا، فمفهومه أنه قبل المجيء لم يخبره بذلك، فيلزم منه أنه يجيبهم بالحق، قيل ذلك بدليل قوله تعالى: (فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذابٌ)، والجواب: إنه أولا لم يدعهم إلى الإيمان، بل أتى بالمعجزات فقط، ثم لما دعاهم إلى الإيمان، قالوا ذلك، واعلم أن المبتدأ لَا يحذف إلا إذا كان الخبر لَا يصلح له؛ وكذلك هذا هو عندهم لَا يصح أن يوصف بالسحر إلا هذا الرجل.
قوله تعالى: ﴿وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ... (٢٧)﴾