فإن قلت: إنه غير عام فإن فيه الأعرج والأحدب والأعمى، قلنا: أحكام الخلق لها اعتبارات، فإن اعتبر بالنسبة إلى المفعول فيرد ما قلتموه، وإن اعتبر بالنظر إلى الفاعل فإِنه عام؛ لأنه فعل كله بحكم متقن دال على [اتصاف*] فاعله بالقدرة والإرادة وصفات الكمال، وتفاوته لَا يقدح في إبداعه، ويحتمل أن يقال: إن كل أحدب هو أحسن من غيره من الحيوانات، فمن هو أحدب وأعمى من النَّاس أحسن من أعمى من غيره.
قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ... (٦٦)﴾
قال ابن عرفة: التعبير عن المنع عن الشيء بلفظ النهي يشعر بأن المكلف بذلك كان ملتبسا به قبل النهي، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يعبد آلهتهم قط، وفرق بين قولك: لَا تفعل كذا، وبين قولك: نهيتك من فعل كذا، فالأول: يقتضي المنع المطلق، والثاني: يقتضي المنع مما أنت فاعله.
قال: والجواب: أن النهي عن المنتهي يقتضي اتصاف أمثاله به، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كان بين أظهر المشركين فنهي عن أن يتصف بصفاتهم، قال: وعادة الشيوخ يذكرون سؤالا موردا في حسن الائتلاف؛ وهو لم [أسند*] لفظ العبادة ولفظ الدعاء لآلهتهم، وهلا قال: أن أعبد الذين تعبدون، أو يقول: أن أدعو الذين تدعون، أو يقول: إن الذين تعبدون فما السر في ذلك؟
قال: فأجابوا: بأن المراد بالعبادة الخضوع، أي نهيت أن أخضع للذين [دعوتموهم*] آلهة، والخضوع يستلزم أن يدعوهم آلهة بل هو أعم، فناسب إسناد النهي للأعم المطلق؛ لكونه يستلزم النهي عما فوق من باب [أحرى*]، فاستعمل الأخص في الثبوت والأعم في النهي.
فإن قلت: قوله تعالى: (لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي)، مفهومه أنه كان متصفا بذلك قبل مجيء البينات؟ فالجواب: بأن النهي له والمراد غيره، وإما أن يراد بالبينات مطلق الوحي المنزل عليه وعلى من قبله من الأمم، ولا شك أنه كان حين بلوغه متشرعا بشريعة إبراهيم صلى الله عليه وعلى آلهما وسلم، وإنما يرد السؤال لو قلنا: المراد لما حضر زمن إرساله ونزول الوحي عليه.
قوله تعالى: (وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ).