اختلفوا في التفسير والصحيح أنه ليس من الملائكة وكان بعضهم من إطلاق هذا الخلاف، ويقول إنه يستلزم مفسدة كثيرة فإن مذهب أهل السنة أن الملائكة معصومون من المعاصي والمخالفات. فإن قلت: فلم استثنى [إبليس*] منهم فالجواب أنه لما كان ملازما لهم [وأُمروا هم*] بالسجود دخل هو في الأمر من باب أحرى؛ لأنه إذا أمر الأعلى بالسجود فأحرى مَن دونه.
قوله تعالى: ﴿قَالَ أَرَأَيْتَكَ... (٦٢)﴾
إن قلت لم كرر (قال) مع أن المتقدم من كلامه وهو قوله: (قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا) فالجواب أن ابن مالك قال [**نكرر القول للنظرية إذا طال الإخبار] ومنه تكرار المؤلفين الألفاظ في العقود، وأما هنا فلم يطل الكلام لكن إنما كرره على سبيل التشنيع عليه، والتنفير من [مقالته*] وإنه هو الذي قال ذلك [ونص عليه*].
قوله تعالى: (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ).
المراد به هنا يوم موت جميع الخلائق لَا يوم بعثهم لأن من مات فقد قامت قيامته وإبليس لَا يؤخر إلا إلى ذلك اليوم، وأما يوم البعث فلا يتصور ولا يعقل تأخيره إليه؛ لأن كل من يكون فيه حيا، فإنه لا يموت أبدا، فلو حملوا تأخيره إلى ذلك اليوم لما تصور موته بوجه، ويحتمل أن يريد يوم قيامته هو بناء على القول بأنه مات يوم أحد، قلت: لكن ما يكون فيه فائدة إذ لَا يصح أن يقول لكن أخرتني إلى وقت موتي.
قوله تعالى: (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا).
قال ابن مالك: لَا يجوز استثناء المجهول فلا يقال قام القوم إلا رجالا.
ابن عرفة: والمستثنى هنا وإن كان بكثرة فهو معلوم بالصفة فكأنه يقول إلا ذريته.
ابن عرفة: استدل بعضهم على عدم قبول شهادة العدل على ذرية عدوه؛ لأنه ثبت قليلاً. بهذه الآية أن العداوة بين الشخصين سر البغض بين أحدهما وبين ذرية الآخر لأنه لما أمر إبليس بالسجود لآدم واضح ورأى أنه أكبر عداوة منه فأذاه وحده من أجل ذلك فانتشرت عداوته على ذريته.
قوله تعالى: ﴿بِصَوْتِكَ... (٦٤)﴾
المراد به صوت بني آدم، فهو إقامة السبب مقام المسبب، وأما صوت إبليس فلا يصح؛ لأنها لَا تسمعها الأذن، والصوت مسموع بلا شك.


الصفحة التالية
Icon