قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ... (٨٩)﴾
والتصريف هو الإتيان بأفراد أمر على شيء تعدى، وليس هو تكرار الشيء، والقرآن مشتمل على الأدلة الكلية والحقة والمتوسطة، وهذا كما بين للطالب فلا يفهمها فيأتيه بعبارة أخرى أو بدليل آخر أوضح من الأول وكذلك القرآن تارة يكرر فيه القصص، وتارة [يعبَّر*] عنها بألفاظ أُخر وأدلة أُخر، قال: وأخذوا من هذه الآية مطلبين: الأول: [**الرد على الجاحظ لأنه أنكر وقوع المذهب لكلام في القرآن وألا يقدر له على اشتماله على البرهان والخطابة]، الثاني: وقوع القياس فيه لقوله تعالى: (مِنْ كُل مَثَلٍ) ولا معنى للقياس إذا جعل المثل على مثله، وفي هذه الآية من أنواع [**جر اليد مع الاتباع]، وهو الإتيان بما يحتاج إليه كقوله تعالى: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) وكذلك إن القرآن يشتمل على [كل*] دليل معجز على سبيل الرد على الكفار في قولهم: (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا) فطلبوا الإتيان بالمعجزة، وهو قد أقر بها.
قوله تعالى: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ... (٩٠)﴾
قيل لابن عرفة؛ هذه حكاية لمعنى [كلامهم*]؛ لأنه [بفعلهم*] إذ لو كان هو عين لفظهم لما كان معجزا، فقال ابن عرفة: بل يصح أن يكون عين لفظهم ويكون الإعجاز وقع تكليفه ولعله في محله كما نجد بعض الخطباء يذكر في خطبته أحاديث ويذكرها الآخر بعينها ويجري في كلام أحدهما من العذوبة ما ليس في كلام الآخر، وما ذاك إلا أن الأول أتاها مرتبة في محلها، وإن كان اللفظ واحدا، فالإعجاز بالنظم والكيفية لَا بنفس اللفظ. قال بعض الطلبة: يحتمل أن حال هذا هو نفس لفظهم لكن الإعجاز إنما وقع بالسورة ثلاث آيات لقوله تعالى: (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) وهذا كلام كثير يشتمل على آيات جملة فيكون أحدهم تكلم بشيء والآخر تكلم بشيء، وكذا قال المفسرون إن عبد الله بن أمية قال لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لن نؤمن لك حتى تتخذ إلى السماء سلما ثم ترقى فيه ثم تأتي معك منشور معه أربعة من الملائكة تشهد لك إنك حق.
قوله تعالى: (حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا).
ولم يقل في الأرض إشارة إلى أن الينبوع يكون مشاهد للناس [احتراز*] من أن يعجزه ولا يرده.
قوله تعالى: ﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي... (٩٣)﴾


الصفحة التالية
Icon