ولم يقل: وجوههم؛ إشارة إلى عظمته وتعدي دخانه للغير بحيث يخرج عنهم، ويكاد يشوي وجوه غيرهم معهم.
قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ... (٣١)﴾
إما أن لكل واحد جنات، أو على الجمع على سبيل التوزيع؛ فلكل واحد جنة؛ فإن قلت: هلا قيل لهم: جنات عدن، ويستغنى عن لفظ (أُولَئِكَ)؟ فالجواب: أن فيه زيادة تأكيد وتعظيم لهم؛ ولذلك أتى فيه بلفظ البعيد، كما قالت زليخا: (فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ).
قوله تعالى: (جَنَّاتُ عَدْنٍ).
قال بعضهم: سميت عدنا لوجهين:
إما لأنها من عدن بالمكان إذا أقيم به فهي دار إقامة والدنيا دار رحيل وائتمان.
وإما أن كل نعيم وإذ لم يمل؛ فهي إشارة إلى أن أهلها يقيمون عليها محبون فيها لا يملون منها بوجه.
قوله تعالى: (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا).
قدم التحلية على اللباس مع أن الحاجة إلى اللباس أقوى من الحاجة إلى التحلية، فالتحلية أمر تكميلي، واللباس حاجي فهو أهم، وقال في سورة الإنسان (عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) فقدم اللباس على التحلية، قال: وعادتهم يجيبون بأن التحلية هنا بالذهب أمر تكميلي، فقدمت على اللباس تنبيها على أنه أيضا أمر تكميلي زائد على اللباس الحاجي، وقدم في سورة الإنسان الحاجي وعطف على التحلية، فهي أيضا أمر حاجي لأنها بالفضة، فهي أقل ما يتحلى به، والتحلية بالذهب أمر زائد عليه تكميلي.
قوله تعالى: (ثِيَابًا خُضْرًا).
أخذ منه أن الخضرة أحسن الألوان لأنها وسط بين السواد والبياض، والسواد مجمع للبصر مع أنه يحدث انقباضا في النفس، والبياض مفرق للبصر مع أنه يؤثر انبساطا وسرورا في النفس، وأجيب بأن الخضرة أحسن الألوان المغيرة بالصباغ، وأما البياض فهو أحسن الألوان، والسندس [ما رقَّ من الحرير*]، وأما الإستبرق [ما غلظ منه*]، فإن قلت: الإستبرق دون الحرير؛ بدليل قوله تعالى في سورة الرحمن: (مُتَّكِئِينَ عَلَى