فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) فجعله بطانة، فالجواب: أن الإستبراق فيه الأرفع والأدنى، فجعل بطانة وأرفعه شبيه بالسندس.
فإن قلت: لم قال: (يُحَلَّوْنَ) فحذف الفاعل وبناه للمفعول، وقال: (وَيَلْبَسُونَ) ولم يحذف الفاعل؟ فالجواب: أن اللباس ساتر للعورة فيلبسه الإنسان منفعة خشية [التكشف*] على عورته، والتحلية ليس فيها كشف عورة فلا يتكلف استعمالها بيده؛ بل يستنيب من يكفيه مؤنتها ويزوجه منها، وتقدم عنه توجيها، وقال تعالى في سوِرة الحج (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا) وقرئ (وَلُؤْلُؤ) بالخفض؛ فتكون الإشارة على هذا (من ذهب وفضة ولؤلؤ).
قوله تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ... (٣٢)﴾
ابن عرفة: قالوا القاعدة في مثل هذا أن يقال: واذكر لهم قصة رجلين؛ لأن هذا من باب الإخبار عن الواقع، وأجيب بأن ضرب المثل فيه بالفعل والانفعال والأثر؛ لأن الضرب أمر حسن، فكان هذا المذكور ينفي أثرا من التذكر والموعظة بمن جرى له ذلك.
قيل لابن عرفة: أو يكون قياسا تمثيليا.
قال بعض الطلبة: قدم في الآية السبب على مسببه؛ لأن المناسب في خروج الثمرة، فهلا قيل (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا) وفي خلالهما ثمرا (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا).
قيل لابن عرفة: وقوله (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا) مستغنى عنه؛ لأنه مجرد تأكيد؛ لأن معنى الإضافة في قوله (آتَتْ أُكُلَهَا) تقتضي بها؛ كقوله تعالى: (أَمْ عَلَى قُلُوب أَقفَالُهَا) (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا).
قيل لابن عرفة: (وَجَعَلْنَا) بمعنى صيرنا أو بمعنى خلقنا؛ فإن كانت بمعنى خلقنا فيكون هو أنشأهما واخترعهما، وإن كانت بمعنى صيرنا فيحتمل أن يكون أنشأهما غيره واشتراهما هو منه، والآية دالة على أن العنب أفضل الفواكه؛ لأنه بدأ به وكان أكثر غرس الجنتين.
قوله تعالى: ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ... (٣٥)﴾