بأعمال العباد، والعلم بالصغير لَا يستلزم العلم بالكبير بخلاف العكس، كقولك: إذا أبصرت من هو على عشرة فراسخ فأحرى أن تبصر من هو على فرسخ واحد.
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ... (٥٠)﴾
قال ابن عرفة: هذه الآية تكررت في القرآن لما اشتملت من الأمر الغريب العجيب والوعظ؛ لأن إبليس كان من الملائكة فأُخرج منهم، وكان آدم في الجنة فأُهبط منها فينبغي الاتعاظ بهما وأن لَا يثق بعلمه، ويكون حائطا مراقبا حركاته وسكناته، قال: والسجود إما حقيقة، إن قلنا: إن الملائكة أجسام متحيزون، أو بمعنى الخضوع، إن قلنا: إنهم غير متحيزين، ونقول بالجوهر المفارق، والصحيح أن إبليس ليس من الملائكة؛ لأن الملائكة أجمع العلماء على عصمتهم فكيف يكون إبليس منهم؟
قوله تعالى: (كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ).
وهذا من تقديم العلة على المعلول [كقولك: سهى فسجد، وزنا فرجم]، وقد يقدم المعلول على العلة فكونه من الجن علة في فسقه.
قوله تعالى: (عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ).
دليل على أن الأمر غير الإرادة؛ لأن الله تعالى أمره بالسجود ولم يرده منه؛ إذ لو أراده لوقع تعالى أن يكون في ملكه ما لَا يريد.
قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ... (٥٢)﴾
إن قلت: لم عبر في الأول بالنداء، وفي الثاني بالدعاء؟ قال: فعادتهم يجيبون بأن النداء يكون لمحبوب الدعاء للإنسان ولمكروهه، والدعاء إنما يكون لمحبوبه؛ فما يدعو الإنسان إلا من يجيب فهو أخص من النداء، ولذلك قرن الأخص؛ لأن الاستجابة إنما تكون بالمؤاخذة دون المخالفة، فلذلك قال: (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) أي فلم يجيبوهم بغرضهم.
قال ابن عرفة: وغلط هنا ابن عطية، وأبو حيان، فنقلا عن ابن كثير أنه قرأ (شركائي) بالقصر بغير مد ولا همز وليس كذلك، وإنما قرأ ذلك في سورة النحل حسبما نص عليه الشاطبي، وابن غلبون في أصول القراءات.
قوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ... (٥٩)﴾


الصفحة التالية
Icon